د. عبدالله باحجاج
ربما نحتاج لبعض الوقت حتى يتبلور الدور الاجتماعي كاملاً في عصر الضرائب / الجبايات، وهذا من المُسلّمات الحتمية، بمعنى أنَّه آتٍ لا محالة، ونتمنى أن لا يتأخر كثيرًا، وهو يرتبط بالفعالية الاجتماعية، ومحفزات الفاعلين، فكلما تكون هذه الفعالية قوية وعامة، ولديها الوعي بطبيعة المرحلة الوطنية الجديدة، ومسؤولياتها الاجتماعية المعاصرة، كلما كان العامل الزمني المنتج للدور الاجتماعي سريعًا وشاملًا، ومُتناغمًا مع تداعيات الضرائب/الجبايات اجتماعيًا وإنسانيًا. وإذا ما كان العكس، فإن الإنتاج سيكون ردة فعل تلقائية للفعل المُقابل لها، وفي المستويات الظاهرة فوق السطح؛ لأنها ينقصها التأطير المُمنهج.
وحتى في الحالة الأخيرة، فهي تعكس التفاعل الإيجابي، والفعالية ومصيرها التطور، لكنها ما زالت في طور المبادرة الفردانية والفردية، ونخشى من الإغراق الزمني، فلا يزال الفاعلون الاجتماعيون لم تحركهم الصرخات الاجتماعية، ولا الآلام المصاحبة لها، فلم يظهر حتى الآن فوق السطح من الفاعلين الاجتماعيين الذين لديهم هاجس العمل الاجتماعي، وقيادته سواء باتجاه الصناعة المؤسسية أو مبادرات جماعية مؤثرة، قد تؤثر باتجاه الإطار المؤسسي، وهو آتٍ، لكنني استعجله هنا لعدة أسباب جوهرية:
* حالة الفراغ الاجتماعي؛حيث علمتنا الدروس أنه إذا لم تشغل الفراغات من قبل عباد الرحمن، فإنَّ عبدة الأجندات الخبيثة- القدامى والجدد- جاهزون للانقضاض في أي وقت.
* التسليم السياسي بالدور الاجتماعي المؤسسي كشريك للحكومة والقطاع الخاص في عصر الضرائب / الجبايات، ودون هذا الشريك وفعاليته، لا يمكن الحفاظ على مستقبل الاستقرار الاجتماعي.
* عدم الاستجابة التنفيذية للحكومة لهذا التسليم حتى الآن؛ إذ ما زال قانون الجمعيات الأهلية الجديد لم يرَ النور حتى الآن، وهو قانون يفترض أن يكون في مستوى التحولات والمتغيرات في دور الدولة، ومتناغما مع الرهانات السياسية على الدور الاجتماعي الجديد.
وحتى يحدث هذا الانفتاح الحكومي نحو المجتمع، فإنَّ المرحلة الراهنة ستصطبغ بالفردية والفردانية المنتجة لمسارات تفاعلية مهمة، لكنها ستكون محكومة في الإطارات الضيقة؛ لأنها قائمة على التفاعلية المسببة لها كردة فعل، وهذا ما نجده في مبادرة "الخبز المجاني"، وقد رصدتها في أحد المخابز في منطقة السعادة بصلالة، فكل من يدخل هذا المخبز سيُلاحظ في أحد رفوفه البارزة للعيان، رفًا مكتوبًا عليه العبارة التالية "مبادرة رف الخير.. خذْ ما تحتاج واترك الباقي لغيرك". اعتقدتُ في البداية أنها مبادرة من صاحب المخبز، لكنني اكتشفت أنها مبادرة من مجموعة من شبابنا الفاعلين، تمكنوا من إقناع صاحب المخبز، بتخصيص رفٍ يقومون بشراء الخبز منه يوميًا، ويضعونه في هذا الرف مجانًا، لكل مُحتاج، وكل من يعلم بهذه المبادرة من زبائن المخبز، وحتى من غيرهم، يقومون بدورهم بشراء خبز فوق مشترياتهم اليومية، ويضعونها في الرف.
وقد رصدتُ حركة الإقبال على هذا الرف، فوجدتُ مُحتاجين كُثُر من الوافدين العرب والأجانب، ولم أشهد أثناء عملية متابعتي للمخبز حالات عُمانية تستفيد من هذا الرف، غير أنَّ عاملًا في المخبز جنسيته عربية، كشف لي أنَّ هناك حالات محدودة تستفيد من هذا الرف، وحتى لو انتفت الحالات العُمانية، فهذه المبادرة ستظل محتفظة بطابعها الإنساني الخالص، وهي في متناول الكل، ونتوقع أن تُعمّم. وهذا المقال، يهدف إلى حشد الاستجابة المجتمعية لتوسيع التفاعلية، وتطوير هذه المبادرة، فهي على الأقل توفر مجانًا مادة أساسية يومية للمحتاجين، للساكنة الاجتماعية في صلالة مهما كانت جنسيتها.
وانكشاف مبادرة الخبز المجاني بالنسبة لي، كانت قبل إعصار شاهين بيومين، وما أبرزه العمانيون من تكاتف وتلاحم وتضامن مع المتضررين في جنوب وشمال الباطنة، تحمل كل فاعلية مؤثرة فيها على تصويب مبادراتها نحو داخل كل ولاية، فمن المؤكد أنها ستجد حالات كثيرة تأزمت حالتها بعد التحولات المالية والاقتصادية التي تدشنها البلاد، ولم تعد سيولتها المالية الشهرية كافية لتأمين احتياجاتها الأساسية، ومن المؤكد سنجد منازل أرامل ويتامى تحتاج لترميمات.. وغيرها من الصور.
القضية الآن في ملعب كل فاعلية محلية مؤثرة، فكيف نجعل من الهبّات مع الباطنة، مبادرات مستدامة، تؤسس من الآن كمشاريع مقبلة للعمل الخيري المؤسسي في ولايات البلاد المختلفة؟ ومبادرة "الخبز المجاني" أنموذج للفاعلية في النطاق الضيق، فقد اخترقت جانبًا إنسانيًا عميقًا، وضمنت له مادة أساسية للمعيشة، فكيف لو كان العمل الخيري بحجم كل هبّة محلية؟!