مراسم التوديع في دول الرسوخ

 

إسماعيل بن شهاب البلوشي

استوقفتني صورة لرجال يصطفون فوق أحد الجسور في مُحافظة ظفار الشماء يلوحون بأيديهم توديعًا لقافلة هبّة ظفار المُتجهة إلى إخوانهم في ولايات الباطنة العزيزة، وكان وقوفي تأملاً جمع بين حاضر عُمان والمواقف التي كانت شبيهة عبر تاريخها الحافل بالأحداث الاحتفالية والاستقبال والتوديع والمراسم أو تلك الأحداث التي تصطف في بحارها مئات من السفن الحربية بمدافعها المميزة والتي تقدمتها يومًا سفينة القيادة "الرحماني" ذات المئات من المدافع؛ لتقطع سلاسل الحصار عنوةً وقوةً وشموخاً بين كل الأمم في عهد الإمام أحمد بن سعيد- طيب الله ثراه-.

أو هي مراسم وداع جيوش عُمان في عهد الصلت بن مالك الخروصي يوم هبّ لنجدة المُسلمين في سقطرى،أم هو توديع بحارة التاريخ في عهد اليعاربة،عندما فتحوا آفاق السلام ونشر الدين الإسلامي في أدغال إفريقيا وكونوا مرتكزاً عربيًا إسلاميًا خالصًا؛ ليكتب التاريخ أن أبناء عُمان أمة يتعدى فكرها وطموحها بأبعد كثيرًا من المحيط القريب؛ لذلك فإن عُمان وتاريخها يكتب بين قريناتها من إمبراطوريات العالم الرائدة. وإذا كان لي أن أتعمق قليلاً في التاريخ الأبعد قليلًا ليس لكتابة تاريخ عمان الحربي تحديدًا والذي لا يتسع له مقالي هذا حتمًا، إنما وفقط للتشبيه والاقتطاف من أجزائه ليس أكثر لتشبيه الموقف لأجيال عمان، وهي تودع رجالها ومعرفة ببعض من مفاصل التاريخ العماني، وكذلك للتوضيح لأجيال عمان المتعاقبة أن توديع رجال التاريخ شبيه بين أمسه المشرف ويومه المشرق.. فهل أن ما رأيت من توديع لتلك القافلة كان يحاكي وداع فرسان عمان بخيولهم وإبلهم وسيوفهم اللامعة ما قبل التاريخ الميلادي؟ وما كان بعده من أحداث مثل صد الفرس والبرتغاليين والغزوات من داخل الجزيرة العربية أو إلى تلك الأقرب إلى الأحداث في حاضر هذا الزمان لدعم أهلنا وأشقائنا في دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية، ملبين النداء في كل موقف دون تردد أو تأخير؛ بل إننا دومًا في مقدمة الركب لا بعده.

عندما يتحدث أي مجتهد في وصف الأحداث اليوم يبهره أهل عُمان بما يقدمونه مما يجودون وبما يؤثرون ويضحون حتى بكل ما يملكون، وكذلك فإنهم يقرأون السطور المباشرة لكل حدث غير أنهم لو بذلوا جهدًا أكبر لقراءة تلك المشاهد وروائع الأعمال لوجدوا أنَّ للأمر جذوراً عميقة وعوائد صاغتها الأحداث العظيمة في تاريخ هذا الجزء من الأرض، من بين دول العالم، واستطاعت أن تقف وبكل حزمٍ وعزمٍ وفقط بتلاحم أهلها وجمع كلمتهم وعقد لواء الشموخ والطاعة تحت قيادتهم في كل مُناسبة وملمة، ولن يمل قلمي مطلقًا أن يصف وطني العظيم بوطن الرسوخ فخرًا وعزةً واستحقاقًا خالصًا وإلى الأبد إن شاء الله.