حسبة الأيام.. حذف وإضافة!

 

يوسف عوض العازمي

alzmi1969@

 

"الشعر هوأن تأتي بغير المتوقع" نزار قباني.

------

أحيانا أتوصل لقناعة بأن كتابة المقال قريبة المجال لكتابة الشعر، وأرى تشابهًا في كثير من التقنيات كطريقة عرض المعنى وخط الفكرة والسياق ووضع المضمون بين السطور، والتلاعب مع المتلقي (التلاعب مع وليس على) في توزيع المفردات والألفاظ بحيث يشغل عقل المتلقي للبحث في المعاني الخفية في عمق الكلمات الظاهرة، في هذه متعة فكرية وأدبية سواء كانت في مقال أو في أبيات شعر.

الشعر ديوان العرب، وفي أزمنة تاريخية سابقة كان الشاعر المفوه أشبه بوزير الإعلام أو وكالة الأنباء، إذ كانت أخبار القبيلة توثق عبر القصائد والأشعار، وحتى أدق التفاصيل تجدها مذكورة في بعض القصائد، ولك في قراءة الشعر الجاهلي؛ حيث وجد المختصون تفاصيل لا تعد ولا تحصى عن الحياة وتقاطعاتها والفرح والحزن والانتصار والهزيمة والعشق والكره، والقوة والضعف، والكرم والبخل، والشجاعة والجبن وهي كلها تدخل في تفاصيل الحياة الدقيقة، وأذكر هنا نموذجين أولهما لطرفة بن العبد:

سائِلوا عَنّا الَّذي يَعرِفُنا

بِقُوانا يَومَ تَحلاقِ اللِمَم . .

يَومَ تُبدي البيضُ عَن أَسوقِها

وَتَلُفُّ الخَيلُ أَعراجَ النَعَم ..

وكذلك بداية معلقة الأعشى :

وَدِّع هُرَيرَةَ إِنَّ الرَكبَ مُرتَحِلُ

وَهَل تُطيقُ وَداعاً أَيُّها الرَجُلُ . .

غَرّاءُ فَرعاءُ مَصقولٌ عَوارِضُها

تَمشي الهُوَينا كَما يَمشي الوَجي الوَحِلُ . .

وعندما يتضمن المقال شعرا جاهليا، فلأني أؤكد الوظيفة الخالدة للشعر التي لا تتغير عبر الأزمنة والأمكنة، وظيفة التعبير عما يختلج في النفس، وصورة انعكاس للواقع في نفس الوقت، مما يجعله ذا قيمة لا تنضب ولا تنفذ.

قبل أيام وصلتني أبيات من أحد الأصدقاء فيها معانٍ زاخرة، وبالطبع سأتحدث عن المعاني ولن أحدثك عن مستوى القصيدة أو الأبيات، وكان صاحبنا الذي يقرض الشعر بين الفينة والأخرى قد أرسل هذه الأبيات ليعرف رأيي فيها، وبالطبع لا أنا شاعر ولا أنا متخصص لذلك سأتحدث عن المعنى فقط، وهو يعتبر القصيدة كالحلم الذي يملأ الرقاد الهانئ ضجيجا وضوضاء، سألته عن ماهية الشعر بالنسبة له فقال "الشعر ستر المشاعر وصندوق الإحساس"، وجاء ببالي السؤال: لماذا لا تنشر ما تكتبه من أبيات؟

قال: هي مشاعر خاصة لاعلاقة لها بالمتقلبات الدولية ولا تنتمي لحزب السياسيين ولا هي موجوعة بتطفلات عرابي منظمات حقوق الإنسان، ولا هي برسم الناقد الجهبذ الذي يفكك قصيدتي حسب مشاعره وليس حسب مشاعري!

الكلام كثير حول الشعر وأهله، وقد يكون غريبا إرفاق أبيات من الشعر الجاهلي بنفس المقال الذي يتحدث عن أبيات لشاعر يقرض الشعر العامي، لكنها الفوضوية المحببة التي هي كالحلم الجهوري الذي يقطع سرية النوم الدافئ.

وإليكم أبيات صديقنا الشاعر:

دروب المدى والبعد عسر ومسافة

يشدني قديم الوقت وأخاف الآتي

أحوف الزمن وأصفق إبكفي حسافه

وأهوجس  شتات أيامي المقبلاتي

أشوف العمر يركض وأخايل ضفافه

مع شدة التيار.. وأنظر.. وأحاتي

يحاصرني الهاجس ولف إنعطافه

وأدوس القدم ما بين خذها وهاتي

وإذا بتتفاق المسأله.. واختلافه

حساباتن.. إبهالوقت.. متفاوتاتي

طموح الفتى مشروع ما هو خرافة

يصحح كتاب أيامه المبطياتي

على فزة الخافق.. وستر.. ومخافة

أعاين زمان فات مع.. ذكرياتي

ترى حسبة الأيام حذف وإضافة

وتعديل.. والأحوال متلازماتي