فائق والتاريخ.. و"الحروب اللي انتهت"

 

يوسف عوض العازمي

@alzmi1969

 

 

"تُبهرني صلابة الأبنية الجديدة، ولكنني أحب الصدق في كل جدار طيني قديم" فائق عبدالجليل.

********

تسافر الأيام.. مثل الأشرعة

تبقى عين الذكرى حلوة مشرعة

لو تمردنا على الشوق

على النفس.. على الروح

لو تمردنا على الحب وقدرنا نخدعه

لو مشت الأيام جدًا مسرعه

لو قدرنا نخلي دمع العين يترك منبعه

لو تمردنا على كل الجهات الأربعة

كل جذور الأرض تدري

وكل نحوم الليل تدري

حبنا برق البرق.. محد يمنعه!

في خضم الأحداث السياسية المتاخمة للهموم اليومية للإنسان البسيط، وتداعيات ردود الفعل المتوقعة في لغات العالم، والوهم الذي تحاول أجهزة الإعلام إقناعنا به بأن إيران سترد ردًا مُزلزلًا وسيشكل رد فعلها زخمًا في المنطقة، وتسابق القنوات الأخبارية لنقل الحدث (غير الموجود أصلًا) لحظة بلحظة، وإقناع المتابع بأهمية توخي الحذر من ضربة إيرانية انتقامية ستدركها القواعد الأجنبية، وكلام كثير، وما تزال عبارة: "لو شمس كانت طلعت من أمس" هي ما يُغلِّف الجو والوضع الحقيقي، فإيران التي لا تختلف عن بني يعرب كثيرًا في إجادة الاستعراض بالظواهر الصوتية فقط، وإن حصل شيء، فالله يبارك بالوكلاء الذين ابتُليَت بهم شعوبهم، والله يصلح الأحوال.

ما علينا مما سبق.. سأتحدث عن شأن آخر عن أهمية كتابة التاريخ بحصافة وصدق، وفي إطار من الأمانة النزيهة، التي لا تتعدى المحظور الذي يُؤثِّر على مصالح عامة، هُنا الأفضل للكاتب في التاريخ أن يضع القلم على الرف، بسبب الأمانة النزيهة التي لا تتعدى المحظور "الذي يؤثر على مصالح عامة". وإعادتي لهذه العبارة الأخيرة، في نفس الفقرة نابع من أهميتها القصوى، وسيدرك القارئ ويفهم ما أقصد من كتب في التاريخ، وفكر في التوقف وإراحة الفكر، وركن القلم ليكون قطعة من الديكور. صدقني أما آن تكتب كتابة أمينة وإلّا لا داعي للحبر والأوراق، واحفظ كرامة ما تكتُب ووجب مصداقية النقل؛ لأن القصة هي كتابة تاريخ قد يصل لأحفاد أحفادك، وليس منافسة في لعبة ممكن جدًا تنتهي بأي وقت.

أتذكرُ أني قمت قبل أقل من 3 سنوات بتحضير بحث علمي تاريخي عن الأسباب السياسية لسقوط إحدى الدول المؤثرة في حقبة الستينيات من القرن الماضي، وبحثتُ في عدد ليس بقليل من المراجع، وسألتُ وتواصلتُ مع باحثين مختصين في ذات الشأن. الطريف أني قرأت أكثر من 70 مصدرًا ومرجعًا، ووجدت أن الحبكة شبه واحدة، فقط الاختلاف في الحشو هنا وهناك، لكن الحقيقة الحقيقية لم تُذكَر، وإن ذُكرت فعلى استحياء. والحقيقة الحقيقية في الواقع أن البلاد قبل السقوط كانت ترزح تحت فساد إداري ومالي، وكان الأجانب يتحكمون في كثير من مفاصل البلاد وباسم الحاكم، الذي لم يكن يملك مستشارين أمناء مخلصين، مما سهّل اختراق الكثير من مناحي الدولة، وبعدها الانهيار السريع بعد أحداث لا تُنسى. الحقيقة وجدتها بعد مقارنة وتمحيص وتحليل كثير من المصادر المقروءة والمسموعة والمرئية، إنما لظروف الأمانة التي تحكم كتابة التاريخ قررتُ الصد عن هذا، ولننظر لأمر آخر. أما ما وصلتُ إليه سأكتبه متى ما تيسَّرت الأمور في بحث أكاديمي، ولن يكون  قطعًا موضوع مقال؛ فالبون شاسع، والفكرة المتشعبة تفاصيلها في البحث أسهل وأفضل بالنسبة للمساحة المكتوبة عن الكتابة، وتدوينها في مقال عابر.

من دروس التاريخ أن أهم مظاهر انهيار الدول تتجلى في ارتخاء الدولة؛ مثل: سوء اختيار البطانة المحيطة بالحاكم، وضعف مستوى المستشارين، والتركيز على الهوامش، والتهاون في الأساسيات المهمة، وسوء اختيار رجال الدولة، وإبعاد الصديق وتهميشه، وتقريب العدو أو الأجنبي وإبرازه.

ومن قرأ تاريخ الدولة الأموية سيجد دروسًا سياسية مُهمة، ومن لا يتعلم من التاريخ سيقع في شر أعماله.

لنترك ما سبق ونتفرغ للشعر.. وهل هناك أجمل من أن تقرأ شعرا للشاعر الكويتي فائق عبدالجليل الذي استُشهِدَ إبان الغزو العراقي الغاشم للكويت. هذا الشاعر كان يمثل مرحلة مُهمة من تاريخ الشعر الكويتي، ورغم غيابه منذ أكثر من 33 عامًا، إلا أن كلماته ما تزال مُستقرة في القلوب، وما زال تأثير أشعاره ماثلًا في نفوس مُحبيه. كتب في ديوانه الشعري مقطوعة عن فلسطين، وقبل صفحة المقطوعة كتب: "كان بودي أن أضع في هذه المحاولة مجموعة من القصائد، عن الأرض المحتلة، لكنني أقف وفي فمي شلال من الصراحة".

الحروب اللي انتهت

كانت تجارب

علمتنا شلون لازم ننتصر

لما نحارب

عرفتنا بأصدقانا المخلصين

عرفتنا بأصدقانا المجرمين

فتحت باب الصراحة

في العيون العربية

ووضعت كل النقط

فوق الحروف الأبجدية!