يوسف عوض العازمي
@alzmi1969
"إنَّ الذي يصيب فلسطين يُصيبنا، ولن يزدهر الوطن العربي، ما دام جزء منه مُغتصبًا" الشيخ صباح الأحمد (عام 1974).
*********
سيكون حديث وأحاديث المقام في هذا المقال عن درة الخليج: دولة الكويت، التي تقع في الجزء الشمالي الشرقي من شبه الجزيرة العربية في أقصى شمال غرب الخليج العربي، وقد عرف موقعها أنه يمثل النهاية الطبيعية للطريق الملاحي البحري والتجاري الواقع على طريق الهند ومنطقة الشرق الأقصى.
واشتهرت الكويت منذ بداية تاريخها بأنها منطقة ترانزيت، أو منطقة لتجارة العبور قليلة الضرائب، وتضم الكويت التي تبلغ مساحتها 17.818 ألف كيلومتر، 10 جزر، أكبرها من حيث المساحة بوبيان، وهي تمثل حوالي 5% من المساحة الإجمالية للبلاد، وتوجد غيرها جزر وربه، ومسكان، وعوهة، وفيلكا، وأم النمل، وكبر، وقاروه، وأم المرادم، إضافة لجزيرة الشويخ التي أصبحت جزءًا من ميناء الشويخ في البلاد. ويوجد شبه إجماع بين المؤرخين على أن كلمة كويت تصغير لكلمة "كوت"، وقد أطلق مؤرخو الكويت هذه التسمية على الحصون المتعددة ذات القلاع والأسوار.
ونشأت الكويت في 1613م، استنادًا لرسالة الشيخ مبارك الصباح حاكم الكويت السابع للمقيم السياسي آنذاك، من مجموعة أسر ذات ارتباط قبلي مُتماثل سميت بـ"العتوب"، والعتوب اسم يدل على الترحال، وليس نسبًا، وللحديث عن العتوب فبسبب القحط الذي أصاب مناطقهم الأصلية؛ حيث كانت مساكنهم في الهدار في إقليم نجد (محافظة الأفلاج حاليًا)، وبعدها استقروا في منطقة الفريحة بالقرب من الزبارة في قطر، لمدة 50 عامًا تقريبًا، وقد تعلموا خلالها ركوب البحر والأنشطة المُتعلقة به. وبسبب خلاف بين العتوب وآل مسلم (حُكّام قطر آنذاك)، اضطروا للهجرة إلى جنوب البصرة أولًا، ثم إلى الصبية، إلى أن استقروا في منطقة الكوت (الكويت) حاليًا.
وكنبذة بسيطة عن العتوب، فقد تم تقسيم المهام بين الأسر الثلاثة الكبيرة على النحو التالي: أستلم آل الصباح شؤون الحكم، وآل خليفة (حكام البحرين حاليًا) شؤون التجارة، وآل الجلاهمة شؤون البحر. والكويت منذ تأسيسها لم يحكمها أجنبي ولم يتم استعمارها. وبدأ حكم أسرة الصباح بالشيخ صباح الأول؛ حيث استمرت سلسلة الحكام من هذه الأسرة العريقة حتى وصلنا في وقتنا الحالي للحاكم السابع عشر حضرة صاحب السمو الشيخ مشعل الأحمد الجابر الصباح.
وفي تاريخها ونتيجة لظروف إقليمية حسّاسة، عقد الحاكم السابع الشيخ مبارك الصباح الملقب بـ"أسد الجزيرة"، وكذلك مبارك الكبير، اتفاقية الحماية مع بريطانيا في 23 يناير 1899؛ حيث ساعدت هذه الاتفاقية على تحقيق استقرار هذه الإمارة الواقعة شمال شرق الخليج. وفي عهد الحاكم الحادي عشر الشيخ عبدالله السالم الصباح تم إلغاء الاتفاقية واستبدالها باتفاقية الصداقة والتشاور في 19 يونيو 1961. وهنا يجدر بالذكر مُلاحظة جوهرية؛ إذ إن تاريخ 25 فبراير الذي يُحتفل فيه بالعيد الوطني لدولة الكويت هو في الحقيقة ذكرى تولي الشيخ عبدالله السالم مقاليد الحكم في 25 فبراير 1950. أما الاحتفال بيوم 26 فبراير فهو ذكرى يوم التحرير من الغزو العراقي الغاشم لدولة الكويت؛ حيث أُعلن تحريرها بالكامل من براثن العدوان في 26 فبراير 1991.
ومنذ استقلالها تميزت هذه الدولة الصغيرة الحجم عظيمة المواقف بمبادرات عديدة، طرّزتها كتب التاريخ بالفخر والاعتزاز، وقامت بالمشاركة في الحروب العربية ضد الكيان الصهيوني، وما تزال إحدى الدول النادرة التي تعتبر دولة الكيان المغتصب عدوًا، ولم تُطبِّع معه، ولم تُنشئ أية اتصالات مع الصهاينة، ومواقفها مصدرٌ للعزة والسؤدد. وقد تم تكريم حاكمها الأسبق الشيخ صباح الأحمد من قبل الأمم المتحدة بلقب "قائد إنساني عظيم"؛ لذلك دُرج على وصف الكويت ببلد الإنسانية.
مضت الأيام والأزمان، وحاضرنا شاهد، ومستقبلنا بيد العزيز القدير، نسأل الله في هذه الايام المباركة أن يديم العز والأمن والإطمئنان على هذه الدولة المعطاءة، الدولة التي تشكل عنصر توازن رغم صغر حجمها، نتيجة سياستها الحكيمة التي تقرِّب وتؤلِّف بين الدول الشقيقة، والأزمة الخليجية المؤسفة قبل فترة قريبة شاهدة على ذلك، ولا شك أن الكويت تعتبر دول مجلس التعاون عمقًا استراتيجيًا مُهمًا، فهي الساعد المُسانِد، والشقيق الأكثر إخلاصًا بين الأشقاء. وتعد الكويت وشقيقاتها الخليجية وحدةً واحدة، وينطبق عليها الحديث الشريف: "مثلُ المؤمنين في توادهم، وتراحمهم، وتعاطفهم، مثل الجسد إذا إشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى".
حفظ الله الكويت وشعبها وأميرها من كل مكروه، وأدام الله نعمة الأمن الاستقرار تحت قيادتها الحكيمة. وكل عام والكويت وطن النهار بخيرٍ.