عُمان.. منطقة للأعاصير

يحيى الناعبي

 

جاء "شاهين" طائرًا ومُحلقًا من أمداء بعيدة محملًا بالآماد ليحط رحاله على شواطئ عمان، مخلفا وراءه دروسا وعبر. وكان الجميع يترقب قدومه، لكنهم يستبعدون أن تلحقهم الأضرار والخسائر مباشرة.

هذا التوقع الذي يشبه السهل الممتنع في معناه، أو مثل لعبة النرد، لأن مسارات الأعاصير خارج بوصلة التتبع. فعلا هو يمثل القدر فكل التوقعات ممكنة في تفاوت مستوياته (مثلا من الحالة الرابعة لتنخفض إلى الأولى أو ليصبح منخفضا جويا بعد أن كان إعصارا كما حدث مع شاهين)، كذلك انزياحه في المسار وارد جدا ليتحول إلى مكان آخر أو تنتهي رحلته في المحيط قبل أن يصل إلى اليابسة. لذلك، نام الناس مطمئنين في بيوتهم، وعندما وصل اليابسة كان ليلا طويلا على سكّان بعض ولايات شمال الباطنة، فسلاما على أرواح من اختارهم القدر، وصبرا لكل من فارق محبيه ومن تضرر في أملاكه.

ما تيقنا منه بعد ذلك، تلك الروح الجماعية التي التفت حول بعضها كالإعصار البشري لتتجه نحو المتضررين من الإعصار، ذلك النفس العماني الواحد في لحمته لمساعدة المتضررين ومسح بعض آثار الإعصار من مخلفات وغيرها في المناطق المنكوبة. إن العصا السحرية التي خطت هذا الاندماج لم تكن وليدة اللحظة بل هي تراكمات في الروح العمانية الواحدة تتناسخ عبر الأجيال. فبددوا بإرادتهم الخيّرة المخاوف التي تركها الإعصار على المتضررين في أرواح ذويهم وأملاكهم. نعلم أن التعاون في الأزمات هي سمة بشرية في كلّ مكان وأن التعاون الجماعي هي سمة بشرية كونها تمثلت نواتها الأولى في تشكيل المجتمع. لكن عندما تشاهده على أرض الواقع يختلف كثيرا، لأن السلوك الجمعي يطغى على السلوك الفردي وتختفي الضغائن والأحقاد الفردية، فهي بمثابة تطهير للعنصر البشري.

بالرغم مما قدمه العمانيون من جنوب السلطنة إلى شمالها، وما قدمته المؤسسات الأخرى في مساعدة إخوتهم المتضررين، سوف ينتهي قريباً وسيعود كل منهم إلى عمله الخاص؛ لتستمر الحياة. ويبقى الدور الكبير والمهم على المؤسسة الرسمية في التخطيط الجيد للتخفيف من القادم. إنها ليست نظرة تشاؤمية ولكن علينا أن نذكّر أنفسنا بأن السلطنة هي منطقة أعاصير ولو رجعنا للتاريخ وتسلسل الحوادث التي أدرجناها سلفاً نجد أن تسلل حوادث الأعاصير والمنخفضات الجوية التي نتجت عنها كوارث بشرية وأضرار مادية للممتلكات الخاصة والعامة متقاربة جدا. أن التجارب التي شهدتها السلطنة كانت منذ قرون لكنها في فترات زمنية متباعدة. بينما في العقدين الماضيين نجد أن وتيرتها متقاربة بأقل من ثلاث سنوات في بعض الأحداث (جونو ٢٠٠٧)، (فيت ٢٠١٠)، (كيلا ٢٠١١)، (أشوبا أو تشابالا ٢٠١٥)، (مكونو ٢٠١٨)، (شاهين ٢٠٢١). هو مؤشر على أن عمان منطقة أعاصير، ومع استمرار التغيرات المناخية سوءا يكون توقعاتنا بتقارب الفترات أكبر.

في هذه الحالة ألا يستوجب أن نعمل على تأسيس بنية متينة في وجه القادم كحال باقي الدول التي تواجه الكوارث الطبيعية بجدية وحافظت على بنيتها الأساسية؟

لذلك وجب على المؤسسة الرسمية أن تتعامل مع هذه الكوارث بجدية تامة، فالموضوع تعدّى أن يكون حالة عابرة؛ بل هي حالة متكررة وتتضاعف بين حين وآخر متجاوبة مع التغّير المناخي الذي يعيشه العالم اليوم. لا أعتقد أنَّ لجنة للطوارئ تكفي لهذه الظاهرة، لأنه ليس بمقدورها أن تواجه الحالة المتكررة للأنواء المناخية، بل يجب أن ينشأ مركز للأنواء المناخية.  

السلطنة الآن أمام سؤال مهم فيما يخص المنكوبين وهم يمثلون ولايتين كبيرتين، ماذا ستقدم لهم للمستقبل؟

الجميع في حالة هلع مما حدث، لأنها لم تكن متعلقة بالممتلكات فقط بل كانوا ينتظرون اللحظة لتوديع أفراد أسرهم في ذلك الليل البهيم. أصبحت قضية الأنواء المناخية متعلقة بالأمن القومي ويجب أن تدرس جيدا من نواح عدة. وهذا من وجهة نظر الخبراء.

على الجهات المعنية أن تستعين بخبرات أجنبية لدول استطاعت أن تقلل من مخاطر الفيضانات من خلال وضع قاعدة متينة لتوزيع مصارف للمياه، فالسلطنة تعاني من عجز في التخطيط الجيد لتصريف المياه. والتجربة الأخيرة أثبتت ذلك؛ فالإعصار شاهين تحول من إعصار إلى حالة مدارية أو منخفض جوي، هذا النموذج تعيشه الدول باستمرار دون أن يخلف بركة ماء في شوارعها. الخشية من تضاعف الأمور سوءا لو استمر النهج كما هو عليه الآن.