يوسف عوض العازمي
alzmi1969@
أيُ دارسٍ للعلوم السياسية لن تكون النظريتان الواقعية والنفعية غائبتين عنه، وهما في الحقيقة مع عدة نظريات مختلفة تقود أنظمة ومسارات وأحوال السياسة أيا" كانت تضاريسها، النظرية الواقعية والتي أسسها جون مورجنثأو هي باختصار وبكلمة واحدة: القوة، أما النفعية والتي أسسها جون ستيوارت مِل اختصارها هو: المصلحة، وبالطبع هي ترتكز على فلسفة الأخلاق، لذلك بالقوة ومن ثم بالمصلحة تتم كتابة سطور التحركات السياسية من خلال الاستخدام الأمثل لكليهما مع الكثير من مُحترفي السياسة.
في السياسة قبل أي مفاوضات أو مباحثات حول الاتفاق على أمر أو وضع حلول لاختلاف مُعين لابد من تواجد مُؤثر لهاتين النظريتين، القوة وهي التي يُحبذها الواقعيون والنفعية ولها أهلها، ولوتفكرنا بالأنظمة الدولية ومثلاً" في الولايات المتحدة سنجد أن الحزب الجمهوري أقرب لفكر الواقعية، والحزب الديمقراطي يتقرب أكثر للنفعية، وأقرب مثال ماجرى في أفغانستان قبل فترة؛ حيث توجت النفعية بشكل صارخ!
الحزب الجمهوري الأمريكي في 2011، قام بتطبيق الواقعية وهي سطوة القوة وقاعدة من ليس معنا فهو ضدنا، وحصل إسقاط حكم طالبان آنذاك واحتلال أفغانستان، وحكم جديد أقرب للوصاية الأمريكية. وفي 2021 ونتيجة لحسابات نفعية خالصة بدأها الحزب الجمهوري بقيادة الرئيس السابق دونالد ترامب وتوجها وبشكل مرتبك الرئيس الديمقراطي الحالي جو بايدن، بالخروج الأشبه بالفوضوي من بلاد الأفغان؛ حيث تمت تفاهمات على طريقة هات وخذ وخرجت بقايا قوات العم سام في مشاهد دراماتيكية لن ينساها العالم!
حتى في قصة أو أزمة الغواصات بين فرنسا وأستراليا والولايات المتحدة ستجد النفعية تطل برأسها، وإن كانت الواقعية تنتظر عند الباب الخارجي، مما شكل صدمة لفرنسا التي وجدت نفسها في موقف حائر ولاتحسد عليه، بينما طبق الحكم الديمقراطي الأمريكي النفعية وبالحرف الواحد.
في السياسة، المبادئ والقيم والأخلاق بلا قوة ليست بذاك التأثير؛ لذلك تشكل الدول الضعيفة- أو ما تسمى بعلوم السياسة بالوحدات الدولية الصغيرة- تحالفات لدرء الأخطار، لذلك تشكلت عدة قوى تحالفية وروابط سياسية واقتصادية بين عدة دول حتى الدول الكبرى القوية؛ منها حلف "الناتو" وإقليميًا مجلس التعاون لدول الخليج العربية، وغيرها. وبالطبع حلف الناتو حلف عسكري بغلاف سياسي، والخليجي تحت شعاره توجد قوة درع الجزيرة. ولا شك أنَّ المصالح البينية ضد الأخطار الخارجية، تُساعد في تكوين هذه الروابط الاتفاقية المجمعة للدول، لكن لا يخلو الأمر من اختلافات وخدوش في بنية هذه التحالفات، ففي حلف الناتو، تشكل تركيا صداعًا مُستمرًا، وفي مجلس التعاون الخليجي، كانت الأزمة الخليجية الأخيرة اختبارًا صعبًا.
في العلاقات الدولية لا يوجد ما يسمى بـ"الحب" أو "العلاقة الوطيدة"؛ بل هناك توافقات على مبادئ محددة تصب في صالح الطرفين، هناك مصالح تُجبر حتى الأعداء للجلوس على مائدة واحدة.
الدبلوماسي والشاعر الأمريكي جيمس راسل لويل، قال ذات مرة: "الحل الوسط يمثل مظلة جيدة وسقفًا منخفضًا، إنِّه وسيلة مؤقتة، خيار حكيم في كثيرٍ من الأحيان في السياسة الحزبية، وخيار غير حكيم في الحنكة السياسية".