وطنٌ عظيم.. وشعبٌ يستحق الحياة

 

مسعود الحمداني

samawat2004@live.com

(1)

وطنُ كقطعةٍ من ضوء، يسكن الروح، وتتباهى به الأرض، يسافر في ملكوت الحياة، ويبعث الأمل في قلوب الناس، لا تردّه الكروب، ولا تُخضعه الخطوب، وطنٌ خلقه الله من الإيمان، وقدّهُ من صخر الإرادة، فخرج شعبٌ لا تهزه العواصف، يكتب تاريخه بيده لا بيد غيره، ويسجّل أيامه بقوته، وصلابته، ويجعل من الصعب سهلاً، ومن الحجارة بناء، ومن المطر ماء يروي عطش القلوب، لتخرج من أوديته ومن جباله ومن ساحله ومن صحاريه عزيمةُ الرجال، وعنفوان الحياة..فما أعظمه من شعب، ولله دره من وطن.

(2)

جاء "شاهين" مُحلقًا، فاردًا جناحيه، يمسك الدمار بمخالبه، والخراب بمنقاره، يجر وراءه الموت والرعب، لكنه وجد أمامه شواهين عُمان بالمرصاد، يعمّرون ما خرّب، ويبنون ما دمّر، ووجد سواعد الشباب، وإيمان العجائز، وبراءة الأطفال تسير في الأرض إصلاحا، بعدما عاث فيها فسادا، ووجد معاول البناء جاهزة لترميم ما هدم بدلاً من العويل والصياح، والبكاء على الأطلال، فالإرادة البشرية ومعدن الشعوب العظيمة تظهر حين تيأس القلوب المريضة.

(3)

خرجت عُمان من أقصاها إلى أقصاها؛ لتؤكد أنَّ العماني يستحق الحياة، وأنه عند الحوادث لا يغيب، وأن الطيبة التي يتحلّى بها أيام السلم تخفي وراءها صلابة لا تنكسر حين الخطوب، وأن الشعوب تُخرج أفضل ما عندها كلما تم اختبارها، وهي التي ظهر معدنها في "جونو" وقبله وبعده، فالشعوب العريقة تُختبر بالكوارث، وتحوّل المعاناة إلى أمل يسطع في قلب كل إنسان.

هكذا هي عُمان، وهكذا هو شعبها.

(4)

قد تطول المعركة مع الدمار، ولكن لن يُهزم جَمعٌ يمتلك إرادة الحياة، ولن تنكسر عزيمة بشر كبروا على جراحهم، وستخرج عُمان من رحم المُعاناة أكثر قوة وصلابة، وستحوّل الموت والدمار إلى حياة وازدهار، وستعود الأمور إلى طبيعتها، سيعود الصياد إلى سفينته، ويعود "البيدار" إلى حقله، وسيعود الناس إلى بيوتهم، وستضج الباطنة بأصوات الساحل والسهل والجبل.

فكل شيء قابل للكسر إلا القلوب المُؤمنة بالحياة والمفعمة بروح الأمل.

(5)

بوركت السواعد التي هبّت لنجدة إخوانها في الباطنة، بوركت الجهود التي عملت وكدحت وواصلت الليل بالنهار لتعود الأمور إلى نصابها، بوركت كل قطرة سُكبت من جبين إنسان شارك في هذه الملحمة الوطنية التي سيسطرها التاريخ بأحرف من عطر، وتهب للشعوب الأخرى دروسا مجيدة في معنى اللحمة الاجتماعية، وكيف تكون الشعوب حيّة ونابضة لا يكسرها الطوفان، ولا تهزها عواصف الدهر.

فشكرًا لكل من لبّى نداء الواجب، وأدى واجبات الوطن، وقام ولو بجهد قليل، شكرًا لكل مواطن ومسؤول، ولكل جندي وعسكري، ولكل تاجر، ولكل وافد، ولكل إعلامي، ولكل فرد دعا في صلاته وبكى وساهم في إعادة الحياة للأرض وللقلوب البسيطة، وحفظك الله أيُّها الشعب الأبيّ المتراحم، ولا بكتك الأعين يا وطني العظيم.