"شاهين".. الضيف الثقيل

 

محمد بن حمد البادي

mohd.albadi1@moe.om

تقع السلطنة في منطقة مناخية مضطربة طوال العام، وموقعها الجغرافي المطل على بحر العرب الذي هو جزء من المحيط الهندي؛ يجعلها من أكثر الدول العربية عرضة للأعاصير والحالات المدارية الجوية الموسمية.

وفي السنوات الخمسين الأخيرة تعرضت السلطنة لعدد من الأعاصير القوية، خلفت وراءها أضراراً كارثية وخسائر مادية وبشرية تُقدر بمئات الملايين من الريالات. ولعلَّ من أبرز هذه الأعاصير؛ الإعصار الذي ضرب جزيرة مصيرة بشكل مُباشر عام 1977م، ثم إعصار جونو عام 2007م، وتبعه إعصار فيت عام 2010م، ثم إعصار مكونو عام 2018م، وأخيراً إعصار شاهين عام 2021م.

وبين إعصارٍ وإعصار من هذه الأعاصير تعرضت السلطنة لأحوال مدارية صنفت كأعاصير في بداية تشكّلها، ثم انخفض تصنيف معظمها من إعصار إلى عاصفة مدارية أو إلى منخفض جوي عند اقترابه من اليابسة، وبعضها تلاشى أو تغير مساره بلطفٍ من الله وقدره قبل أن يلامس اليابسة.

وتعاطت الحكومة الرشيدة مع الأنواء المناخية التي تعرضت لها السلطنة في السنوات الأخيرة باحترافية شديدة بدءاً من مرحلة الرصد والتنبؤ مروراً بمرحلتي الكارثة والإنقاذ ثم التعويض والتعافي ورجوع الحياة لسابق عهدها، ولكن يظل هناك مجال لمزيد من التطوير والتحسين في الحلول الجذرية لتفادي ما يُمكن تفاديه من الخسائر والأضرار، وقد أصبح اليوم من الواجب علينا التعامل مع التخطيط العمراني على هذا الأساس، فكما يقال الوقاية خير من العلاج، يجب أن نسعى بكل طاقاتنا للتقليل من الخسائر في الأرواح والممتلكات، وهذا الأمر يلزمنا باتخاذ عدة تدابير مهمة سواءً على المستوى الحكومي أو الشخصي.

وربما يأتي في مقدمتها دور وزارة الإسكان والتخطيط العمراني في تجنب توزيع المخططات السكنية أو أي أرض قابلة للاستعمال في الأماكن المنخفضة أو مهابط الأودية والشعاب. كما يجب معالجة أوضاع أصحاب المنازل التي تقع في أماكن منخفضة، أو تلك القريبة من مجاري الأودية؛ أضف إلى ذلك ضرورة إنشاء نظام عالي الجودة لتصريف مياه الأمطار،  بما يضمن عدم تجمع المياه في برك ربما تتسبب في حوادث مرورية أو غيرها من الحوادث التي تتسبب في إيقاع الضرر على الغير.

ومن المهم أيضاً إيجاد حل سريع للقاطنين على الشريط الساحلي وخصوصاً في خط الباطنة من ولاية بركاء إلى شناص والذين أصبحت أعدادهم بسيطة بعد استحداث مشروع طريق الباطنة الساحلي، والإسراع في صرف التعويضات لهم، كون هذه المنازل قديمة جداً وعرضة في أي وقت للانهيار لأبسط سبب؛ أو لخروج مياه البحر عليهم.

ومن التدابير الواجب اتخاذها مراجعة تصميم الطرق الرئيسية والفرعية مع مراعاة أن لا تسد مجاري الأودية، بحيث يتم عمل جسور على الأودية، أو عمل عبّارات صندوقية واسعة لتصريف المياه، فنحن نرى الآن كيف تتعطل حركة السير لعدة ساعات عند نزول الوادي؛ مما يؤدي إلى تعطيل المصالح بسبب بسيط يمكن تفاديه بإيجاد حلول سهلة وميسرة.

نأمل أيضًا الإسراع في عمل سدود على مجاري الأودية الكبرى لما لها من أثر كبير في الحد من الفيضانات التي تتعرض لها المناطق المنخفضة الواقعة على الساحل، وخصوصاً وادي الصرّمي ووادي شافان ووادي القنوت في محافظة شمال الباطنة. كما يجب وضع قوانين تجرم الاعتداء على مجاري الأودية، من خلال الحيازة غير القانونية وتغليب المصلحة الشخصية على المصلحة العامة، مما يضيق مجاري الأودية ويسبب فيضانات بسبب ارتداد مياه الوادي على المنازل والممتلكات.

وأخيرًا.. إن التخطيط العمراني وتصميم المدن والمباني يجب أن يتوافق مع الطبيعة ولا يتعارض معها، فمجاري الأودية يجب أن تحترم ولا يتم الاعتداء عليها من أيٍّ كان، فنحن كبشر لا نستطيع أن نعارض الطبيعة فهي الأساس ونحن حالّون عليها وليس العكس، ويجب أن تتلاءم التصاميم العمرانية معها لا العكس،  وإن حاولنا يوماً من الأيام تحدي الطبيعة التي خلقها الله فإنَّ ذلك هو الخسران المبين.

حفظ الله عُمان من الكوارث والأعاصير والفيضانات، وإننا على يقين تام بأن السلطنة حكومةً وشعباً وبتكاتف وتعاضد الجميع؛ وبالتوجيهات السامية من لدن جلالة السلطان هيثم بن طارق المعظم- حفظه الله ورعاه- قادرون على الوقوف على أسباب حدوث هذه الأضرار التي خلفها الشاهين، ومن ثم إيجاد الحلول المناسبة لمعالجتها، وتحت شعار عمان نبضٌ واحدٌ سنبذل قصارى الجهد في سبيل تعافي الباطنة شمالها وجنوبها لتعود الحياة إلى طبيعتها بأمن وأمان واطمئنان في أسرع وقت ممكن.