سعود الخليلي.. رحيل الجسد وولادة السيرة

 

علي بن مسعود المعشني

ali95312606@gmail.com

التقيت الشيخ سعود بن علي الخليلي للمرة الأولى في يوم من أيام عام 1996م بمكتبه بالحي التجاري في منطقة روي بمسقط، وكان في مُخيلتي صعوبة اللقاء بلا موعد مُسبق مع شخصية عامة بقامة الشيخ الخليلي، فكانت الصدمة والمُفاجأة لي حين وجدت شخصًا من الجنسية الآسيوية في الاستقبال بمكتب الشيخ يستقبلني ببشاشة، ثم يشير لي بالدخول إلى مكتب مُقابل له، شكرته، ودخلت المكتب وكما أشار لي وفي مُخيلتي لقاء منسق أو مدير مكتب عُماني يحدد لي موعد اللقاء، وبما أنني لا أعرف الشيخ سعود شخصيًا، ولم ألتقه من قبل، سألتُ الشخص الذي أمامي عنه؟ فردَّ عليَّ بلهجة عُمانية بسيطة ومحببة: أنا هو سعود الخليلي!! ثم صافحني وأشار عليّ بالجلوس، وأخذ مني العلوم والأخبار كعادة العُمانيين، ثم سألني عن نفسي ومقصدي.

حقيقة خرجت من مكتب الشيخ سعود وأنا في غاية الذهول لتبسطه وسُّمو أخلاقه وعدم حرصه على الألقاب أو البهرجة؛ الأمر الذي أشاع في نفسي الكثير من الفرح والسرور والتقدير والاحترام لهذه الشخصية التي تُشبه عُمان إلى حد التطابق في بساطتها وعمقها وأصالتها وقيمها وعطائها.

بعد هذا اللقاء لم أنقطع عن زيارته كلما سنحت لي الفرصة أو دعاني أمر للقائه، وفي كل مرة ألتقيه يستقبلني بحفاوة اللقاء الأول، مع شيء من العتب في حال طول انقطاعي عنه بين اللقاء والآخر.

كان مكتب الشيخ سعود بن علي الخليلي بشاطئ القرم مزارًا للعُمانيين من مختلف الشرائح والمناطق والأعمار والمقاصد، حيث تجد علية القوم من مسؤولين سابقين ولاحقين ورجال أعمال ومثقفين ووجهاء وعوام، كل في مقصده لزيارته.

شخصيًا، كان يُشعرني بتعامل خاص وارتياح خاص كذلك، فرغم فارق العمر بيننا إلّا أنني استغل تبسطه وأدبه الجمّ وإنصاته الكبير للحديث بإسهاب وارتياح عن كل مايجول بخاطري من موضوعات وقضايا؛ حيث كان دائمًا يُشعرني بأنني مُهم له في بعض التحليلات والطرح والرصد والمتابعة لجملة من الأمور بداخل السلطنة وخارجها والمستجدات على الساحة عمومًا، إضافة إلى الأحاديث العامة في شؤون تاريخ عُمان الاجتماعي والسياسي والذي عاصر به الشيخ سعود مفاصل وأطوار حادة وعميقة وكان شاهدًا على الكثير منها.

كان الشيخ سعود الشخص الوحيد الذي لم أشعر أمامه يومًا بالحرص على انتقاء الكلمات أو الموضوعات رغم مقامه الرفيع، لأنني ببساطة شديدة أشعر في حضرته بلقاء الأصدقاء الأنقياء والإخوة الصادقين والمواطنين الغيورين على وطنهم، كما أشعر في أحيان أخرى أنني أمام أب حانٍ وحنون ومستنير في إصغائه وطرحه ومعالجاته.

كثيرة هي المواقف التي ستبقى في ذاكرتي حين أستحضر لقاءاتي بقامة كالشيخ سعود بن علي الخليلي، رجل الدولة ووجيه من وجهاء عُمان وعالم دين ودنيا حاكته التجارب ومعترك الحياة، وشاعراً رقيقًا يُخفي شاعريته لأسباب لم أعرفها ويعتبر نفسه مجرد تلميذ نجيب في محراب الأدب.

كان- رحمه الله- يفرح كثيرًا بنسخ الكتب التي أحرص على تزويده بها بين حين وآخر والتي أعتقد أن مضامينها من صلب اهتماماته، وكنت في المقابل أشعر بالفخر والارتياح الكبير حين يشكرني على ذلك ثم يقول لي: مجالستك وقراءة مقالاتك ومتابعة فقراتك الإذاعية بالنسبة لي أهم من قراءة أي كتاب.

لا يُمكنني نسيان مواقف الشيخ سعود معي ولا مع قاصديه بدء من حميمة اللقاء وأدب الإنصات إلى معالجة الموقف باليد الكريمة واللسان الطيب، كما لا يمكنني نسيان عتبه عليَّ كلما أطلت الانقطاع عن زيارته وسؤاله عني رغم مشاغله الكثيرة في إدارة أعماله ونشاطه الاجتماعي الذي لا ينقطع.

لم يكن الشيخ سعود- رحمه الله- رجل شعارات وكلمات رنانة تدغدغ المشاعر في التعبير عن عروبته ووطنيته وإنسانيته وقبوله للآخر ونظرته وفلسفته في الحياة؛ بل برهن على ذلك عمليًا بتواصله الدائم مع مختلف الفئات والشرائح من أبناء عُمان ومن الأشقاء العرب والأصدقاء، كذلك دون أن يشعر أحدهم بأن الشيخ سعود أقرب إلى هذا من ذاك.

لا يمكن أن أنسى خصلة الوفاء في شخص الشيخ سعود كعربي عُماني أصيل، حين سألني ذات يوم عن أشخاص رافقوه وقاموا على خدمته فترة وجوده في ظفار بدعوة كريمة من السلطان سعيد بن تيمورعام 1966م؛ حيث بقي في ضيافة السلطان بضعة شهور، فأجبته بأنني لا أعرفهم شخصيًا ولكني أسمع بهم، وسأعمل على السؤال عنهم، وبالفعل وبعد التقصي والسؤال عنهم لم أجد سوى شخص واحد منهم على قيد الحياة؛ حيث حرص الشيخ سعود على لقائه وتكريمه بعد تلك العقود الطويلة من لقائهم بظفار متنقلين ما بين قصري الحصن وبيت المعمورة.

رحم الله فقيدنا الكبير الشيخ سعود بن علي الخليلي بواسع رحمته وتقبله مع الأصفياء من عباده إنه سميع مجيب.

قبل اللقاء: يقول الإمام محمد بن إدريس الشافعي

الناس بالناس ما دام الحياء بهم

والسعد لا شك تارات وهبات

وأفضل الناس ما بين الورى رجل

تقضى على يده للناس حاجات

لا تمنعن يد المعروف عن أحد

ما دمت مقتدرًا فالسعد تارات

وأشكر فضائل صنع الله إذ جعلت

إليك لا لك عند الناس حاجات

قد مات قوم وما ماتت مكارمهم

وعاش قوم وهم في الناس أموات

-----------

وبالشكر تدوم النعم.