زوجة الظل..! (2)

 

 

الطليعة الشحرية (حالوت أليخاندرو)

تسلَّلتْ البرودةُ إلى أطرافها، وخانتها شجَاعتها.. فسألتْ بوجع: "وماذا أكون في لُعبة الثنائيات هذه؟ هل أنا الإغواء، أو الطُّحلب المتطفِّل الذي يطفو على بركة أحدهم؟ هل سيتم التخلُّص مني بعد انتهاء الحاجة، أم سيتم ركلي عند اكتشاف أمري؟ حقًّا إنها البلاهة حين تتلبَّس أذكَى الأذكياء، فتحوِّله إلى أحمق حالم، لا يستفيق إلا حين تُقلع عينه، وتلقَى على أرض الأشواك، فينظُر بعينه الأخرى القابعة في مِحجر رأسه إلى الأشواك القانية وهي تنزف دمَه".

أجبتُ بهدوءٍ جليدي: "هاتِ كفِّك، افتحِي أصابعك.. أترَيْن؟ إنَّها حادَّة كأنها مقص وقد التفَّ خيطٌ رفيعٌ حول إبهامك، قصِّيه بمقص أصبعك (!). أترين، كم هو سهلٌ قطع الخيط، ولن تحتاجي صَمغًا لإعادة الخيط إلى ما كان عليه، انتِ مَنْ أوقَع نفسَه في شَرَكِ إحساسٍ مُخَادِع، وأنا من يتوجَّب عليه في كلِّ مرة أنْ يتجرَّع سمومَ الغدرِ والخُنوع، فالحريَّة شيء مُكلِّف ومُترف، لا أملكُ حقَّ الاختيار، بينما أنتِ وإنْ كُنتِ دسيسة ليل وجذوة غرام كاذب، تملكين حقَّ قطعِ الخيطِ والرحيل حُرَّة. أخبريني، لِمَ أصرَّ زوجي على زواجٍ عُرفي على ورق، وشهود هم رِفاقه؛ لأنَّهُ يراكِ لذَّة وراحة مُؤقتة، وحين تتأزَّم أوضاعُه أو يَحِين الإبدال سيقطعُ الخيطَ الذي يربطه بك".

هتفتْ بقهرٍ قائلةً: "لِمَ، لِمَ تتحمَّلين كل هذا العناء وحدك".

وقفتْ المُضغة وقالتْ بارتعاشٍ: "هيَّا معي...".

*****

من جنباتِ ليلٍ مُوجِعٍ، دخل الزوج إلى المنزل.. بحثَ عن زوجتِهِ المغدُورة إلى أن وجدها تتأمَّل المرآة متفحِّصةً شعرها، وَقَف خلفهَا، وتفحَّص انعكاسَ وجهها في المرآة أمامها. وَضع كِلتا يديه على كتفها وأجلسها قَصْرًا.. احتضنَ بكفَّيه وجهها مبتسمًا، وقال بتهكم: "سنبدأ..".

أمسكَ خُصلةً طويلة من شعرها الخمري بين إبهامه والوسطى، يتلمَّس ويتفحَّص الأضرار.

قالتْ له: "أطرافُ شعري تحتاج إلى تعديل، لتكون بمستوى واحد، وأنزع عنه المتقصف منه".

حَمْلَق كلاهما في المرآة، وارتسمتْ ابتسامةٌ ساخرةٌ على شفتيهما، رفع خُصلة من شعرها بين أنامله فأخذت تنسابُ، فيعاود الكرَّة مشتمًّا رائحة شعرها.. سحبت مقصاً من أحد أدراج منضدتها، رفعته نحوه: "خذه، وابدأ مهمتك".

اعتلتْ شفتيه بَسمة شهية، وأخذ يقلِّب المقص بين أصابعه النحيلة الطويلة برَويَّة، ثمَّ اتسعتْ ابتسامته وبدت أنيابه، وقال: "ماذا أقص: شعرك الثائر، أَم عُنقك المائل؟".

زفرتْ بسُخرية: "وهل يستقيم الثائر والمائل معاً؟".

ضحك بنزق وقح: "أحبُّ نباهتك، وأكرهك لأنك عنيدة".

عابثةً بأصابعها المتشابكة: "هل هذا اعترافُ حبٍّ تُواريه، أَم انجذابٌ لوقاحةُ تُغريك؟".

استرختْ كفُّه فوق كتفيها، وقال: "تعالي، اجلسي هنا أمام المرأة".

بدأتْ أصابعُه تتخلَّل خُصلها الخمريَّة الثائرة؛ فيُمسكها تارة، وتنساب بين يديه تارة.. سَحَب نفسًا عميقًا، وقال: "هل تحبينه".

ارتفع حاجبها مستفهمًا باستغراب: "مَن؟".

أجاب: "الثائرُ طبعًا".

- "إممم، برأيك هل يستحق الحب؟".

تحسَّستْ أصابعُه اليُمنى الباردة عُنقَهَا، وبدأ يضغط بهدوء.. ثم نطق قائلا: "لا أعلم".

اشتدتْ قبضتُه، وانغرستْ أظافره بعُنقها، فأسرعتْ هي وأمسكت ساعده اليُمنى متحسِّسة نَصْلَ المقصِّ، وبحُنق مكبوت قالت: "هل أنتَ أنتَ، أم أنتَ هُم؟".

ارتفعَ رنينُ ضَحِكاته.. مُجيبًا بخِفَّة: "كلنا واحد".