هذا زمنُ الميسِّرين

 

 

◄ اجعل التيسير شعارك، واجعله ثقافةً عمليَّةً لمؤسستك وموظفيك

 

د. صالح الفهدي

حين تتداعى الظروف قاسيةً، ناشبةَ الأَظفار، كالحةَ الوجوه، مكشِّرةَ الأنيابِ فهذا زمنُ التيسيرِ على الناس، هذا زمن التخفيف عليهم؛ لأنَّ التيسير لم يكسب اسمه إلاَّ بضدِّه وهو التعسير الذي يقصمُ الظهر، ويحشدُ الكآبة في النفوس، والبؤس في الضمائر.

هذا زمنٌ يظهرُ فيه الناسُ على معادنهم، ويشفُّونَ عن أخلاقهم، ويبرزون على مبادئهم. يحتاجُ النَّاس اليوم -وقد ضاقت عليهم الضوائق- إلى صوتٍ يسمعهم، فيخفِّف عنهم غلواء الحياة القاسية، ويطمئن قلوبهم بقادمٍ أفضل؛ صوتٌ له وقعٌ في قلوبهم إذا سمعوه ارتاحوا، وإذا أصغوا له أَنِسوا.

يحتاجون إلى من يقفُ إلى جوارهم كالدِّعامة الصلبة التي تدعمهم إن شاؤوا أن يركنوا ظهورهم إليها، فيشعرون بالأمان، ويحسُّون بالإِطمئنان.

يحتاجون إلى من يقوِّي هممهم، ويدفع عزائمهم، فلا توهن أجسادهم، ولا تضمر حيويتهم، ولا يخبو حماسهم، فينطلقون ساعين إلى تحقيق مآربهم، وإنجاز مقاصدهم بهمَّةٍ عظيمة، وشكيمةٍ صلبة.

يحتاجون إلى من يسهِّل عليهم قضاءَ مصالحهم في شتى مجالات الحياة، خاصَّة تلك التي تكون لهم مصدراً للرزق، ومُعيناً للموارد، حتى تهنأ حياتهم، وتهدأ خواطرهم، فيتوجهون بعدها لخدمة أوطانهم متفانين بإخلاص، متحلِّين بعزم، متسلحِّين بوفاء، لا يكدِّرهم مكدِّر، ولا يشغلهم شاغل.

التيسير على الناس هو أساس الحياة الهانئة، السعيدة، فإن جعلناهُ شعاراً لنا في كلِّ شأنٍ- دون أن يمسَّ الثوابتَ الراسخة- جَنينَا ثماره، وطعمنا حصاده، ولنضرب على ذلك أمثالاً تقرِّبُ إلى البصائر: إذا صاحبَ التيسير مواطناً في قضاءِ مصلحةٍ، وتسهيل حاجةٍ، وتحقيق منفعة، وذلك برفع العوائق التي تعيقه، وإبعاد التعقيد الذي يواجهه، فإنَّه سيُنشأُ المشروعَ الذي يكسبُ منه رزقهُ، ورزقَ أهله، كما يكسب غيره رزقه منه، ويحرِّك به نشاطاً اقتصادياً، ويحدثَ به حِراكاً تنموياً، فيزدهرُ الوطنُ من مشروعه ومشروع غيره- إن تنامت المشاريع- بفعل التيسير الذي يصبح حينئذٍ هو الطاقة الدافعة، والعاملُ المحرِّك.

ولننظر إلى نقيضِ ذلك: موظَّفٌ يجلسُ في مكتبهِ بعقلية منغلقةٍ لا تحمله على النظرِ أبعدَ من جدران مكتبه، يحتفظُ في أدراجه بعقدِ إيجارٍ لا يريد تمريره لمحلٍّ مغلق، لو أنه أجازه، لحصل المؤجِّر على إيجارٍ مجزٍ، وحصدَ المستأجرُ عائداً مربحاً، وكسبت موازنةُ الدولة رسوم عقوده وتراخيصه، وقس على ذلك المشاريع الأُخرى التي تحتبسُ في الأَدراج بحجج واهية، وأعذارٍ ضعيفة..!

ولننظر إلى زاوية الاستثمار الذي لا غنى عنه للأوطان حين يكون من ورائه عائداً مالياً مربحاً، فإنَّ التيسير جاذبٌ للمستثمرين، محفِّزٌ لطاقاتهم، ومشجعٍ لآمالهم وطموحاتهم، وعندئذٍ تتدفقُ الأموال تباعاً، ويتوالى المستثمرون أفواجاً، فقد توفرت لهم المواقع المناسبة، والأسباب الرئيسة، والعوامل المهيئة.

ولننظر إلى النقيض: إن خلا الاستثمار من التيسير أضحى طارداً للمستثمرين، منفراً لهم من ضخٍّ أموالهم في بيئة معقدة القوانين، بطيئة الإِجراءات، والخاسرُ هو الوطنُ في مجملهِ، ومعهم يخسرُ أهله..!

إنه التيسير الذي يوجبُه الإرتقاء إلى المصلحة العليا للوطن؛ تيسيراً في القوانين، تيسيراً في المعاملات، تيسيراً في قضاء المنافع، حينها سيزدهرُ الوطن، ويصبحُ أكثرَ حيويةً وفاعليةً وحراكاً.

هذا خطابي لكل مسؤول: اجعل التيسير شعارك، واجعله ثقافةً عمليَّةً لمؤسستك وموظفيك، ستقدم لوطنك وأهله أجلَّ خدمة، وأعظم منفعة.