المشهد!!

 

 

المعتصم البوسعيدي


إلى أين تتجه بوصلة الرياضة العُمانية؟! وأين هي الآن؟! وماذا نطمح منها؟! أسئلة نحتاجُ إليها لتحليلِ مشهدنا الرياضي بكل واقعية وصدق. والصدق هنا مسار الوصول إلى التغيير المنشود، حتى لا نقع في متاهات الدروب والشك فيما سنختاره كما عبر عنها محمد السيابي في مقدمة المسلسل المحلي القديم (دروب)؛ "هذي الحياة يا ناس فيها دروب كثيرة، دروب بلا حراس فيها الشر وفيها الخير، وأنت يا ابن آدم تختار.. تختار بين الدربين، ربي أعطاك العقل والسمع والعينين، هذي الحياة".

في المشهد الرياضي العُماني، مرَّت تجربة الانتخابات الرياضية بانطباع مُعتاد حول تجربتنا التي لم تنضج حتى الآن، ولم يستوعبها الكثيرون بأنها ليست حرية مُطلقة تنبعُ من مصالح مُتشابكة؛ بل مسؤولية عظيمة لتحديد الأكفأ ومن يمتلك الرؤية والرسالة والإيمان بالتغيير، كما لم يستوعب البعض أن الانتخابات مُمارسة تنافسية شريفة، قد تنطوي على إبراز العضلات، لكنها تؤطر بالروح الرياضية والرضا بالنتيجة النهائية، على أن تتحمل الجمعيات العمومية نتيجة اختياراتها، ثم عليها مُمارسة دروها في الرقابة والمتابعة والتقويم.

حقيقة الأمر تستدعي القول إننا نمضي في دائرة فارغة وندور فيها منذ سنوات ولا نرى إلا "جعجعة دون طحين" مع نزقة ناقدة، وهذا ما حدث- فعلياً- في طوكيو، قبل أن يسطع منها- بعد ذلك- نجم محمد المشايخي في البارالمبية ببرونزية عالمية؛ ومحمد لم يكن صدفة؛ فهو بطل قبل ذلك وله إنجازات لا تخطئها العين، إنما كانت الأضواء تائهة في عشقٍ زائفٍ، والحمد لله أننا أحسسنا بحراكٍ جيِّد في تكريمه مع غياب ملحوظ للشركات الكبيرة المقتنصة لفرصة الظهور في معمعةِ الانتصارات والهاربة عند الانكسارات أو حتى عند اختفاء الكاميرا والبشوت والخناجر وفنادق الخمس نجوم، والحال ينطبق على علي البلوشي رابع العالم في سباق 100 متر في بطولة العالم للشباب بكينيا في أغسطس الماضي.

الحديث عن المشهد الرياضي في عُمان مرتبط- دائماً- بكرة القدم، والتي تعيش في حماس مُتقد إبان ظهور المنتخب الطيب عند انطلاقة تصفيات المرحلة النهائية المؤهلة لكأس العام بقطر 2022؛ حيث الفوز التاريخي على اليابان وحسرة الخسارة مع السعودية والمردود الإيجابي العام رغم كل الظروف المحيطة والنظرة المتشائمة في الفترة الأخيرة، والتي لا يُمكن وصفها اليوم بالمثالية، ويجب علينا الابتعاد تمامًا عن رؤية الواقع بعدسة نشوة الفوز خاصة في الجوانب الإدارية والتنظيمية.

الحديث عن كرة القدم يقودنا للحديث عن الأندية الرياضية التي تستعد لموسمٍ طال انتظاره، وقد يجمع المتابعون على التغيير الملحوظ في إدارة حسابات مواقع التواصل الاجتماعي لمعظم أندية دورينا، وتعاطيها المهني الذي خلق مساحة للتفاؤل، كما إن دخول الشخصيات الشبابية وذات الوجاهة المجتمعية في قيادة بعض الأندية أعطى- بلاشك- زخما جيدا، نتمنى ألا يقف مع نتائج لحظية في المسابقات القادمة، بل يتعداه إلى تحسين وضع النادي وجعله ناديا ذا قيمة اقتصادية يثمر ولو بعد حين، دون أن يتأثر برياحٍ عاتية تمحو أثر كتابة خُطت على رمال متحركة.

المشهد الرياضي المنتظر هو بطل أولمبي، إنجاز قاري، ضخ معنوي ومادي لبنية تحتية حديثة، وربما نحتاج إلى ترتيب أولويات، وزرع كشافي مواهب، والتركيز على الألعاب الفردية التي تضعنا في تنافس عالمي، كما نحتاج لفكرة النادي المؤسسي من يجمع مجتمعه ويبعث فيهم نزعة الانتماء، وأرى ذلك ممكناً إثر مشاهد رأيناها- كمثال- في تجمعات لعُشاق نادي فنجاء ونادي أهلي سداب، ثم يجب الالتفات للتجارب الجيدة للبناء الممنهج- غير المستعجل- مثل ما أراه في نادي الخابورة، وغير المستعجل أود حقاً التركيز عليها مع إضافة المثل الشعبي "المستعجل يؤكل شوبه ني"!!

إن محاولة لفت الانتباه للمشهد الرياضي العُماني ليس للتغني أو التشفي؛ بل أراه مهماً لتشخيص الداء وتحضير الدواء، وقياس الأداء لتحقيق البناء، وليكون شعارنا في هذه الحقبة الهامة الاعتراف ثم الاعتراف ثم الاعتراف؛ بأنه كان- وسيبقى- بالإمكان أكثر مما كان؛ فنحن نمتلك المقومات ولكن لم نكتشفها بعد أو لم نصنعها، وذلك مشهدٌ لو تعلمون كبير!