فقط.. استمتع بالرحلة!

مدرين المكتومية

"قطارٌ يقفُ في محطاتٍ مُحددةٍ سلفًا".. أعتقدُ أن هذا الوصف هو الأكثر دقة لوصف حياتنا التي نحيا فيها، فنحن منذ أن ترى أعيننا النور وحتى يقضي الله أمرًا كان مفعولًا، نعيش كالمسافر الذي يتنقل بين مدينة وأخرى، صباحًا ومساءً، لا يتوقف إلا للاستزادة أو التوجه لمحطة أخرى!

تبدأ حياتنا من محطة المهد الأولى، ثم ننطلق حتى آخر العمر.. وعندما أتفكرُ في الحكمة التي بمقتضاها نعيش ونحيا، أجدُني أردد المقولة الشهيرة: "استمتع بالرحلة؛ فالهدف ليس الوصول، والسعادة ليست فقط بالوصول للهدف، بقدر ما هي السعي نحو تحقيق الهدف". وأيُ إنسان في هذه الحياة يُولد بأحلام كبيرة، وأماني لا مُتسع لها، شيئاً فشيئاً، يكتشف أن الحياة لا تتسع لكل تلك الأمنيات والأحلام، وأنَّ كل مرحلة من مراحل الحياة هناك أشياء نتخلى عنها، وهناك أشخاص نتركهم، وهناك أناس يتركوننا، وفي كل مرحلة تولد أمنيات جديدة تتناسب مع مقاسات ما نمتلكه، وكل ما كبرنا وجدنا أنفسنا نفهم بشكل كبير مقاسات الأحلام التي يجب أن نعيش بها، ونسعى لتحقيقها.

وكلما تمعنا اكتشفنا أنَّ التحديات والعثرات والعقبات التي نصادفها في تلك الرحلة الطويلة التي لا نهاية لها، ماهي إلا محطات أسعدتنا وأبكتنا وأحزنتنا، لكنها ساهمت في تشكيل ذواتنا، وتشكيل شخصياتنا، صنعت منِّا ما نحن فيه وعليه، لذلك لا يجب أن نستعجل حدوث الأشياء، فالأشياء تأخذ وقتها الكافي لنصل إليها أو لنكتشف أنها لا تتناسب معنا، أو أنها في المرحلة التي نحن فيها ووصلنا إليها ما عدنا بحاجة إليها.

ورحلة الحياة، كما الرحلة العادية التي نخطط لها ونخوضها بالسيارة أو الطائرة أو الباخرة أو حتى الصاروخ! نرتبُ كل شيء ونحضّر أنفسنا ونستعد لها، وأجمل ما فيها تلك التفاصيل والمفاجآت والأحداث التي تعترض طريقنا، واللحظات التي نكتشف فيها حدوث خطأ ما أو نسيان غرض معين، وهكذا أيضا الحياة، أشبه برحلة مغامرات، نحلم ونتمنى ونخطط ونسعى، ونستعد محملين بقدر كبير من التفاؤل، ولكن في ذلك الطريق سرعان ما نتفاجأ أيضاً بعارض، بتعثر، بصدمة، بفقد، ولكننا في النهاية سنكمل تلك الرحلة وعند الوصول سنجد أن كل تلك الأحداث ما كانت إلا لتصنعنا ولولاها لما حققنا الهدف الأسمى الذي لطالما رغبنا به.

إذن.. علينا أن نختار الرحلة التي سنغامر فيها للوصول لهدف نريده، نختار الرحلة ونتحمل تكلفة ذلك الخيار، ونتحمل معه التضحيات التي سنضطر للقيام بها والتنازلات التي سنقدمها، وعلينا أن نختار الرحلة التي هي ما نريد وتمثلنا، التي من خلالها نعلم أننا سنصل لذواتنا التي لطالما بحثنا عنها وعن فهمها، إنها الرحلة التي لن تكون سوى بحث عن الذات، عن الشخصية التي أضعناها ربما في إحدى المحطات، وربما تاهت في إحدى الممرات والأزقة، ولكننا في النهاية سنصل إليها بكل فخر واعتزاز، بكل ثقة إننا لم نصل للهدف بسهولة ولكن بعد أكثر من سقوط، وأكثر من ألم، وأكثر من لحظات كاذبة، لكننا وصلنا.

إن الوصول للهدف بعد الاستمتاع بالرحلة أجمل بكثير من الوصول إليه دون جهد، لذلك.. اصنعوا لأنفسكم جسورَ عبورٍ، من كل تلك الصخور التي كانت سببًا في عثرتكم، واصنعوا جسورًا طويلة ممتدة بينكم وبين ما تحبون حتى تصلوا بصورة سريعة، للهدف الذي حاربتم لأجله، اكسبوا معارككم بشرف وقاتلوا لأجلها، وإن خسرتموها أيضًا اخسروها بشرف وبإيمان أنكم فعلتم كل ما في وسعكم لكسبها، فهذه هي الحياة، شغف ومغامرات وانتصارات وإخفاقات ومكاسب وخسائر، هي كل شيء.. نعم كل شيء!