حيدر بن عبدالرضا اللواتي
عندما نتحدث عن السبلات والمجالس كإحدى قنوات الاتصال في المجتمع، فإنَّ مجلس الخنجي يأتي في مقدمة هذه المؤسسات التي اختصت بمناقشة قضايا الوطن في العديد من المجالات التي تهم عامة الناس والمؤسسات والشركات منذ 100 عام مضت.
هذا المجلس الذي يُعد بمثابة سبلة عمانية قديمة يرجع تأسيسها إلى عام 1920 من قبل المرحوم محمد بن عبدالله بن أحمد الخنجي بمدينة مطرح، التي تميزت بوجود مجموعة كبيرة من التجار العمانيين والأجانب في تلك الفترة. فقد اختص المجلس بجمع أفراد المجتمع من التجار المواطنين والمسافرين والقادمين الذين كانوا يناقشون العديد من القضايا التي كانت تهم مراكبهم وسفنهم ورحلاتهم، والبضائع التي يودون تصديرها واستيرادها للسوق العماني، بجانب مناقشتهم لمجمل الأمور العامة التي تهم الحركة التجارية في تلك الحقبة من الزمن، حيث كانت الوسائل البحرية من السفن والقوارب الكبيرة هي وسائل التنقل والاستيراد والتصدير قبل أن تبدأ المطارات وحركة الطائرات في المجيء إلى البلاد.
فقد اعتمدت التجارة الخارجية للسلطنة على حركة السفن التي كانت تأتي بمختلف المنتجات والسلع من العالم، ويقوم التجار بتصدير البضائع المحلية إلى العديد من الدول المجاورة كالهند وباكستان وإيران ودول الخليج والعراق وزنجبار واليمن ودول إفريقية أخرى. كما اختص المجلس أيضاً بتناول حكايات هؤلاء التجار والنواخذة والسفن التي كانت تأتي إلى مطرح والمغامرات التي تعرضوا لها أثناء رحلاتهم البحرية. وبذلك أصبح المجلس مقراً لهذه الحكايات التي شكّلت مادة ثقافية لبعض منها.
وخلال هذا الأسبوع، احتفل مجلس الخنجي بعقد الجلسة الافتراضية الـ100 التي تمَّت خلال الشهور الثمانية عشرة الماضية بسبب تفشي وباء كورونا منذ بداية عام 2020؛ وذلك بحضور العديد من رجال الأعمال والأكاديميين والمهتمين بالشأن العام. وخلال تلك الفترة وما قبلها، اختص المجلس بمناقشة الكثير من القضايا التي تهم الشأن الاقتصادي، والاجتماعي، والصحي، والطبي، والأمن الغذائي والأمن السيبراني، بجانب قضايا الفن والموسيقى والسينما، والرياضة والشباب والتعليم والتدريب المهني ومواضيع متنوعة تهم الشأن الوطني والخليجي والعالمي.
اليوم أصبح هذا المجلس بمثابة معهد تعليمي وثقافي متميز في المجتمع العماني؛ حيث يقدّم وبكل اقتدار العديد من المواضيع الاقتصادية والاجتماعية والثقافية التي لا يمكن للمرء أن يتقنها أو يفهمها من خلال قراءة الكتب ووسائل التواصل الاجتماعي، فتلك الجلسات تناولت قضايا الساعة التي تهم المجتمع العماني، وركزت على المبادرات والاقتراحات وأجوبة لبعض التساؤلات التي تدور في أذهان عامة الناس والاختصاصيين أيضًا.
وأقول إنه من حق المجلس أن يحتفل بهذه المناسبة السعيدة، ويطرح في جلسته الـ100 بعض آراء رجال الأعمال والمهتمين عن مدى استفادتهم من القضايا التي تم تناولها خلال الفترة الماضية، باعتباره من المجالس التي تميزت في طرح الهموم الوطنية والاجتماعية على مستوى البلاد، والتزامه بتقديم كل ما يهم التجار ورجال الأعمال والإعلام والناس وأفراد المجتمع العماني عامة. كما أرى أن بعض هذه القضايا لم تتطرق إليها وسائل الإعلام والتواصل الاجتماعي، وإنما أصبحت بطرحها مادة خصبة لتلك الوسائل لاحقًا، وفتقّت أذهان البعض بالتعليق عليها في تلك الوسائل. ومن هذا المنطلق، وجب توجيه الشكر للقائمن على المجلس وما بذلوه من جهود مضنية لمواصلة رسالة أجدادهم وآبائهم الذين عكفوا على تبني هذا المجلس في العقود السابقة، في الوقت الذي لم يكن الكثير من الأفراد يستوعبون أهمية تلك المجالس.
ونختتم هذا الطرح بالإشارة إلى ما قاله الأخ خليل بن عبدالله الخنجي الذي يقوم بالإشراف على المجلس من خلال فريقه المتميز في تنظيم الاجتماعات الأسبوعية، مشيراً إلى أنَّ مجلس الخنجي قد سبق له تنظيم 200 جلسة واقعية قبل ذلك من خلال مكتبه الخاص بدارسيت؛ حيث كانت تعقد تلك المجالس كل يوم خميس، ولكن تمَّ نقلها إلى المنزل العائلي لمناقشة موضوع مهم ألا وهو تأسيس جامعة مسقط التي أصبحت اليوم منارة علم في العاصمة العمانية؛ حيث تم ذلك منذ البداية بمشاركة أفراد المجتمع العماني وفي وجود بعض الخبراء وأصحاب المعالي والسعادة لطرح آرائهم حول تأسيس هذه الجامعة الفتية. وقد تمكن المجلس من عقد ما بين 32 إلى 33 اجتماعاً في السنة الواحدة بسبب الالتزامات الأخرى في العمل والسفر وذلك خلال الفترة من 2014 إلى 2019، كما تمكن المجلس من توثيق محاضر هذه الجلسات، ونشرها إلكترونياً باللغتين، الأمر الذي أدى إلى توصيل تلك الرسائل للكثير من المهتمين والردود عليها. ويؤكد الخنجي أن عدد الاجتماعات الافتراضية في زمن كورونا قد تزايد، وهذه ميزة للوباء الذي أدى إلى تزايد الإنتاجية لدى الناس في زمن أجبرهم على البقاء في البيوت لفترات طويلة.
لقد تمكن مجلس الخنجي خلال السنوات الماضية من تعزيز عملية تبادل الخبرات والتطرق إلى العديد من المبادرات والقضايا التي تخدم المجتمع العماني وتساهم في مختلف القطاعات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والرياضية وغيرها، وهذا ما أكد عليه الحاضرون والشخصيات التي حضرت الجلسة الأخيرة للمجلس سواء من السلطنة أو خارجها.