الأشخرة.. شيء من التاريخ وقليل من السياحة

 

 

د. عبدالملك بن عبدالله الهِنائي

 

الأَشْخَرَة، وجمعها الأشْخَر، وفي بعض اللهجات العُمانية "الشخرة" وجمعها "الشَخَر"، وهي نوع من الشجر البري لها أوراق عريضة وسميكة، وهي شجرة كثيرة الجذوع أوالعيدان، التي تبدو كأنها صلبة ذات وزن، لكنها في الحقيقة مجوّفة فارغة خفيفة الوزن سهلة الكسر.

والأشخرة قرية عُمانية تقع في ولاية جعلان بني بوعلي، على ساحل بحر العرب، بين رأس الحد في شمالها الشرقي وجزيرة مصيرة في جنوبها الغربي. زرت الأشخرة عدة مرات، كان آخرها نهاية الأسبوع الأول من شهر سبتمبر الحالي. ولكثرة ما قيل عن اعتدال الطقس فيها ومناسبتها للسياحة قررت أن أكتب عن تلك المنطقة، لكن سأبدأ بشيء من تاريخ الأشخرة، حتى لا يخفيه غبار الزمن.

كانت الأشخرة ميناءً تجاريًا يقترن اسمها بأحداث وقعت في عُمان في العقدين الثاني والثالث من القرن التاسع عشر. أما في الوقت الحاضر فيرتبط ذكرها بثروتها السمكية وطقسها المُعتدل ورمالها الناعمة المائلة إلى البياض، وهو ما جعلها مقصدا للباحثين عن الرزق في صيد وتجارة الأسماك، ووجهة للبعض من الذي يحبون قضاء إجازة قصيرة لتغيير نمط الحياة اليومية. وقد ورد ذكر الأشخرة في بعض الكتب والوثائق التي تتحدث عن تاريخ عُمان خلال فترة حكم السيد سعيد بن سلطان، التي امتدت من سنة 1804 إلى 1856، وهي فترة طويلة اتسمت بالاضطرابات السياسية في عمان ومحيطها الممتد من شرق أفريقيا إلى البحرين، مرورًا بسواحل الهند والسند وإيران. وفي السنوات الأولى لحكمه، ركَّز السيد سعيد بن سلطان جهوده على التوسع في منطقة بحر عمان والخليج العربي، وتعاون في ذلك مع الإنجليز لتأمين الملاحة في المنطقة. لكن يبدو أنَّ توقيع الإنجليز لما عُرف باتفاقية الصلح مع عدد من شيوخ القبائل في ساحل عمان والخليج العربي، وهي اتفاقية لم تكن عُمان طرفًا فيها ومكّنت البريطانيين من فرض "الحماية" على المنطقة، جعلت السيد سعيد بن سلطان يركز جهوده على شرق أفريقيا وتأمين طرق الملاحة إليها، ومنها تأمين سواحل منطقة جعلان.

بدأت القصة عندما قدم إلى ميناء الأشخرة في عام 1819 شخص يعمل مترجمًا لدى حكومة الهند البريطانية، وهو ما أثار الريبة والشك في المترجم لدى سكان المنطقة مما أدى بهم إلى قتله. يأتي ذلك الحادث على خلفية أن لدى بعض السكان ميول مع "الحركة الوهابية" التي كانت تدعم الهجمات على الملاحة في الخليج العربي، وكانت عُمان في صدام معها منذ فترة حكم السيد سلطان بن أحمد. وعلى إثر مقتل المترجم، جهزت حكومة الهند البريطانية حملة بحرية جاءت من الهند، وجهّز السيد سعيد بن سلطان من جانبه مُقاتلين من عدد من القبائل العمانية انضموا إلى القوات البريطانية القادمة من الهند. ودارت بين سكان المنطقة والقوات المهاجمة معارك شرسة، لكن ليس في الأشخرة وإنما بعيدًا عنها داخل البر، انتهت بمقتل عدد كبير من الجنود البريطانيين فاضطروا إلى الانسحاب. وبعد سنتين عاد البريطانيون بقوة أكبر، وتمكنوا من اعتقال أحد شيوخ قبائل المنطقة وأخذوه أسيرًا إلى الهند. ورغم ورود اسم الأشخرة منذ ذلك التاريخ، إلا أنه لم يلحظ وجود معالم تاريخية في القرية في الوقت الحاضر، كما إن الميناء الموجود حاليًا بها هو ميناء للصيد وليس ميناء للتجارة مع الخارج، كما كان في الزمن السابق.

بشكل عام تتميز المنطقة الواقعة بين رأس الحد والحدود مع اليمن بطقس معتدل طوال العام، خاصة في فصل الصيف، كما ترتبط بعدة طرق حديثة تربطها بمدن ومُحافظات السلطنة. وفيما عدا محافظة ظفار وبعض المناطق والمدن الأخرى مثل الدقم ومصيرة وبعض قرى الصيادين في الجازر ومحوت، فإنَّ المنطقة كلها تكاد تخلو من السكان، كما تندر فيها الخدمات الأساسية اللازمة للحياة المعاصرة. ويتحمس الكثير من الناس في الحديث عن السياحة في تلك المناطق، بسبب اعتدال الطقس فيها والانخفاض النسبي في درجة الحرارة مُقارنةً بكثير من المناطق العُمانية الأخرى التي تقع إلى الشمال والغرب منها. ويندفع البعض إلى لوم هذه الجهة أو تلك على عدم توفير المشاريع والخدمات السياحية في أكثر المناطق الممتدة من رأس الحد إلى مرباط، كما يجتهد آخرون في تسويق قطع أراض سكنية أو ذات استخدامات أخرى في المنطقة.

وفي الحقيقة أن المنطقة على اتساعها ليس لديها من المقومات السياحية غير رمل الشواطئ الناعم وزرقة البحر المختلطة ببياض الموج العاتي بسبب شدة الرياح، مع وجود بعض الجروف الصخرية في بعض الأماكن. أما المعالم التاريخية أو الأشجار والخضرة، فهي نادرة، إلا من شجيرات صغيرة متناثرة تُغطيها الرمال المُتحركة القادمة من الصحراء نحو البحر حينًا ومن البحر نحو الصحراء حينًا آخر، بحسب اتجاه الريح. وإضافة إلى ذلك، فهي بحاجة إلى العامل الأهم للسياحة وهو السكان؛ إذ إنها تخلو إلا من بضع مئات أو بالكثير بضعة آلاف من النَّاس منتشرين على مساحات شاسعة ويعملون في صيد الأسماك أو في بعض المهن البسيطة. كما إنها تبعد عن المدن ذات الكثافة السكانية، مثل صور وإبراء بما لا يقل عن 150 كيلومترًا وعن مسقط بما لا يقل 350 كيلومترًا. لذلك فإن المنطقة غير مهيأة الآن ولا في المدى المنظور للسياحة الكثيفة؛ سواء من داخل البلاد أومن خارجها، ومن غير المجدي اقتصاديًا التسرع في الاستثمار في مشاريع سياحية كبيرة فيها مثل الفنادق الكبيرة والمتنزهات والحدائق، خاصة في ظل المحنة التي يُعاني منها قطاع السياحة منذ أكثر من خمس سنوات.

الأجدى بدلاً من ذلك في الوقت الحاضر التركيز على منطقة رأس الحد؛ لتطوير مشاريع سياحية مُتكاملة فيها، وكذلك الإسراع في إنجاز مطارها، الذي تمَّ بناء مدرجه منذ سنوات ولكنه لم يُستخدم، هذا إضافة إلى تطوير وتحسين بعض المشاريع والمرافق السياحية في جزيرة مصيرة. وربما يكون من المجدي في مرحلة لاحقة بناء مراسٍ لليخوت والزوارق في رأس الحد ومصيرة من أجل استخدامها للقيام برحلات بحرية ترفيهية.

أما المنطقة الساحلية الواقعة بين رأس الحد والدقم، وبين الدقم ومرباط فهي منطقة شاسعة وبعيدة عن المناطق ذات الكثافة السكانية. لذلك من الصعب في الوقت الحاضر تطوير مشاريع سياحية كبيرة ذات جدوى اقتصادية هناك، ويكتفى بتحسين الخدمات في ما هو موجود منها، مثل الفندق الصغير الموجود حاليًا في الأشخرة، وذلك بسبب الكلفة العالية لإنشاء وتشغيل المشاريع السياحية الكبيرة؛ حيث لن تكفي إيراداتها لتغطية مصاريفها التشغيلية، فضلاً عن عدم إمكانية استرداد رؤوس الأموال التي ستثمر فيها.

** باحث في الاقتصاد السياسي وقضايا التنمية

تعليق عبر الفيس بوك