علي بن مسعود المعشني
من أكبر أخطاء تنظيم الإخوان المسلمين أنهم سعوا للسلطة دون أي دراية بها، فحطموا بلا وعي الصورة النمطية الوردية لأنفسهم والتي سكبوها في عقول العامة لعقود طويلة بأنَّ "إسلامهم هو الحل" والترياق الشافي لجميع معضلات الأمة ودولة الاستقلال العربي على وجه التحديد.
أخرج الإخوان أنفسهم من قمقم التنظير والوعود الفردوسية وتسلحوا بتاريخهم ورصيدهم الدعوي والقيمي ظنًا منهم بأنَّه مشروع للدولة، فتبين لهم أن الدولة أعمق بكثير من نشاط دعوي وأعمال خيرية فتصادموا سريعاً وبعنف ملحوظ مع مكونات المجتمعات ومفاصل الدولة العميقة التي يجهلونها في الأقطار التي تم تمكينهم بها من قبل مخططي الربيع، فكانت النتيجة تهاويهم تباعًا وكأحجار الدومينو بدءًا من إخوان المركز بمصر وانتهاء بفاجعة السقوط المدوي لإخوان المغرب اليوم ومرورًا بالانقلاب الاستباقي المضاد الذي قاده الرئيس التونسي قيس سعيد على إخوان تونس لاسترداد الدولة المخطوفة من قبلهم.
الهشاشة الفكرية التي تسلح بها التنظيم الدولي للإخوان وغياب الوعي السياسي والمشروع حين حضرت الدولة ومقتضياتها أخرجت الإخوان من مربع التنظيم والحركة إلى مربع الأداة التي يمكن توظيفها مرحليًا من قبل الطرف الأقدر لبلوغ مآرب وتحقيق أجندات بعيدة، فهكذا سوق الإخوان أنفسهم في زمن الربيع حين رهنوا أنفسهم بأيدي الأمريكان ضد أوطانهم وفي سبيل السُلطة.
صدّق الإخوان أنَّ أمريكا قضاء وقدر لا يُرد، وأنها تقول للشيء كن فيكون! ولم يدركوا أن النفوذ الأمريكي شيء وأن تدمير بواطن الدولة العميقة في أوطانهم شيء آخر، فثقافة اتفاقية كامب ديفيد التي أعتقد الإخوان أنها تقود كل شيء في مصر صُدموا حين تيقنوا أنها لم تخترق مؤسسة الجيش المصري، رغم المهادنة الظاهرية للجيش المصري لـ"كامب ديفيد"؛ بحكم مقتضيات السياسة والمصالح العليا لمصر، فحين جرب الإخوان المساس بالجيش والعبث بعقيدته بحكم توليهم السُلطة وسعيهم الحثيث لبناء دولتهم العميقة والتي سينطلق منها التنظيم الدولي للإخوان للانقضاض على مقدرات الأوطان وفق الأجندة المرسومة لهم، كانت المفاجأة بانقلاب الجيش والشعب عليهم في حالة تاريخية متفردة ونادرة.
في المغرب، وصل الإخوان إلى السُلطة وشكلوا حكومتين على التوالي واستحوذوا على أغلبية مقاعد البرلمان واليوم يواجهون استفتاء شعبيا أقرب إلى العقاب يخرجهم من الحكومة وينال من مرتبتهم الحزبية ويهوي بها إلى المرتبة الرابعة بـ12 مقعدًا فقط لا غير.
بلدٌ كالمغرب يتمتع بتقاليد حكم وسياسات عريقة وعميقة لم تُتح بطبيعة الحال لأي كان أن يخرج عليها بفجاجة، فقد شهد المغرب في تاريخه السياسي المُعاصر محاولات عديدة للنيل من قواعد الحكم الملكية الراسخة والأعراف التي أسست لبواطن الدولة العميقة فيها، فتم تطويع اليسار المتغوِّل في حقب الخمسينيات والستينيات والسبعينيات من القرن الماضي وإلحاقه بالدولة العميقة، وبعدها تم امتصاص حماس وغلو المد السياسي الديني بجعل الملك هو السلطة المعنية بالسلطة الروحية في البلاد كأمير للمؤمنين، وبذلك خضعت الأحزاب السياسية كافة لقانون الأحزاب والذي ينص صراحة على عدم السماح بقيام أحزاب على أساس ديني، لهذا لا يَحسِب حزب العدالة والتنمية المغربي نفسه على التنظيم الدولي للإخوان وفي المقابل لا يُخفي هويته الإسلامية في برامجه وخطابه.
التسليم لحزب العدالة والتنمية المغربي بالسلطة والإقرار بأحقيته كمكون سياسي مغربي لفترتين لا يعني القبول به في المطلق؛ بل من باب مقتضيات السياسة الدولية العميقة وهبوب رياح الربيع والتي وجدت فيها المغرب نفسها ملزمة بالواقعية والقبول بالتيار المحسوب على الإسلام السياسي، حتى تنجلي الرؤية وتهدأ العاصفة وبموجب الحراك السياسي الإقليمي والدولي اليوم، فالمغرب كغيره من الأقطار العربية التي وجدت نفسها في حل من الإسلام السياسي؛ حيث أوكل الأمر لصناديق الاقتراع والتي أفرزت النتائج الصادمة والمزلزلة لحزب العدالة والتنمية وجعلته ينقسم ويتشظى في داخله، الأمر الذي يوحي بخضوع الحزب لمراجعات كبيرة وعميقة في برامجه وأدبياته حتى يلتحق بعصره.
قبل اللقاء.. لولا لهاث الإخوان وسعارهم نحو السلطة وتكشف هشاشتهم في إدارة الدولة وسعيهم المعيب نحو أخونة الدولة واختطافهم لها؛ لبقيت أسطورتهم وتنظيراتهم في عقول وقلوب الشعوب العربية لعقود طويلة أخرى.
وبالشكر تدوم النعم.