التسريح.. أخطبوط ينهش

 

ناصر بن سلطان العموري

abusultan73@gmail.com

 

ما زال التسريح أخطبوطًا ينهش مستقبل أبنائنا العاملين في القطاع الخاص، وما زالت الشركات تلعب في الميدان وحيدة تتحكم بمستقبل هذا وذاك؛ بل وأصبح التسريح "موضة" بين الشركات، حينما باتت عادة غير مكترثة بالعواقب والأضرار المترتبة على المُسرّحين خاصة، ولا على ما سوف يُمثله من أبعاد ذات عواقب وخيمة على المجتمع كافة؛ فكم من مُسرَّحٍ غارق في الهموم وفي غياهب السجون ليس له نصير ولا مُعين إلا الله، بعدما سدت الشركات المسرحة آذانها وأغلقت أعينها وكأنها تفرد عضلاتها لتقول بصوت مسموع أنا أقوى من الجميع، فافعلوا ما تشاؤون إن كان لكم حيلة!

منذ أيام استضافت إحدى الإذاعات المحلية المميزة في طرح القضايا الوطنية أحد المُسرحين وكان من حملة الشهادات والخبرات العُليا، وطبعاً هو واحد من كثير ممن تم تسريحهم وهضم حقوقهم وتحدث بالعجب العجاب في ذلك اللقاء، ومما ذكره أنَّه سرح من عمله ليتفاجأ بعدها بتعيين 5 وافدين دفعة واحدة، وفي وظائف كانت من ضمن الوظائف الواجب تعمينها من قبل وزارة العمل، والأحق بها الشباب العُماني، فأين المُراقبة والمتابعة هنا يا وزارة العمل؟! والظاهر أنَّ هناك سياسة تمارسها هذه الشركات من خلال تسريح العمانيين القدامى أصحاب الرواتب الكبيرة لتأتي بعدها بشباب عُمانيين من أصحاب الرواتب الزهيدة أو الوافدين الذين يقبلون حتى بنصف الراتب المُخصص للعماني.

الغريبة أن موضوع التسريح لقي اهتماما واسعا مجتمعيًا قابله تجاوب ضعيف من قبل الجهات الحكومية وانطبق عليه المثل أَسْمَعُ جَعْجَعَة ولا أرى طحينا أو هو أسمع جَلَبَة ولا أرى عملاً ينفذ لا نتكلم هنا عن إصدار القرارات وعقد الاجتماعات ونشر التصاريح البراقة فهي كثيرة ولكن عن الناتج وما لمسه المواطن العامل في القطاع الخاص على أرض الواقع من إنصاف له ضد كيد الشركات وحماية ضد التسريح الممنهج.

لكي نكون على حياد، نسأل: ما عذر الشركات التي اضطرت لتسريح موظفيها؟ هل أشعرت مسبقا وزارة العمل بذلك وقدمت تقريرًا عن إفلاسها أو تعثرها مدعومًا بالأسباب المنطقية للتسريح على أنها في أزمة مالية؟ مثل تقديم كشف لثلاث سنوات من ميزانيتها وتبيان الوضع المالي للشركة في بورصة مسقط، وهل هناك أصلاً حلول تم القيام بها قبل التسريح مثل تخفيض الرواتب للمسرحين؟ وما الحلول البديلة لتجاوز هذه الأزمة بالنسبة للشركة؟ أما أن يحدث التسريح فجأة وكأنه أمر دُبر بالليل والحجة الجائحة فهذا لا يمكن قبوله أبدًا.

والأغرب حينما أقرت اللجنة العليا المكلفة ببحث آلية التعامل مع التطورات الناتجة عن انتشار فيروس كورونا حزمة من التسهيلات لدعم القطاع الخاص والقوى العاملة، ومنها عدم إنهاء خدمات العمانيين، ووفقًا لهذه الحزمة تلتزم مؤسسات وشركات القطاع الخاص بالمحافظة على استمرار عمل القوى العاملة العُمانية وعدم إنهاء خدماتها في تلك المؤسسات والشركات.. كما تقدم الحزمة عددًا من التسهيلات التي تدعم استدامة أعمال مؤسسات وشركات القطاع الخاص وتعزز قدرتها على التكيّف مع الأوضاع الاستثنائية الحالية الناتجة عن انتشار جائحة كورونا (كوفيد-19) محليًّا وعالميًا.

قرارات من اللجنة العليا لم يتم الالتزام بها من جانب شركات القطاع الخاص، والدليل ظاهرة التسريح التي مازالت مُستمرة في المقابل يلتزم المواطن بالقرارات الصادرة من اللجنة العليا بحذافيرها، وإلا السجن والغرامة المالية للمخالفين والمتلاعبين.. إذن فأين هذه العقوبات على الشركات المسرحة في أيام الجائحة والحجة التأثر بالأزمة؟!

مجلس الشورى ممثلا في لجنة الشباب والموارد البشرية، تبنى موضوع ظاهرة تسريح القوى العاملة الوطنية، وذلك بعد ملاحظته لتزايد أعداد العمالة الوطنية المسرحة في بعض مؤسسات القطاع الخاص خلال السنوات الأخيرة، وفي فترات متقاربة. وسعت اللجنة بكل ما تملك من أدوات برلمانية من خلال دراستها ولقائها مع الجهات المعنية إلى اقتراح حلول سريعة لمعالجة الثغرات القانونية والتشريعية واقتراح التعديلات المناسبة؛ بل وقدمت دراسة متكاملة في بداية 2020 بعنوان "تسريح القوى العاملة الوطنية في القطاع الخاص.. التحديات والحلول" درست واقع المشكلة بشكل مُستفيض وكان من أهم أهدافها: حماية حقوق القوى العاملة الوطنية خاصة المسرحين منهم بسبب الأزمات الاقتصادية، وتنظيم علاقة العامل وصاحب العمل وإيجاد نوع من التوازن بين مصلحة الطرفين وخاصة عند حدوث حالات التسريح، وتعزيز أوضاع العمل في القطاع الخاص وتحسين بيئة العمل لتكون جاذبة وآمنة للعمل والاستثمار.

الخلاصة.. بما أن مجلس الشورى دوره استشاري بحت، فقد قدمت هذه الدراسة للجهات التنفيذية على أرفع مستوى في الدولة على أمل الاطلاع وتطبيقها على أرض الواقع وإنصاف العماني في القطاع الخاص وحمايته من التسريح وضد الحقوق المجحفة التي تمارسها الشركات ضده ظهرت الدراسة وأرسلت إلى حيث أرسلت وما هي النتيجة؟ الشركات إلى اليوم والأمس وأيضًا الغد، ستمارس التسريح إن لم تجد القوانين الرادعة، ولا يكفي ما سمعناه بالأمس من رجوع العاملين المسرحين لعملهم بإحدى الشركات بعد جلوس وزارة العمل مع الشركة المسرحة، وبحث الأمر معها، فهذا إن تكرر وبجهود الوزارة مشكورة، فهو لن يحل الأزمة، فما قرار الشركات إلا ذرًا للرماد في العيون.

إن أبناء عمان من العاملين في القطاع الخاص لا ينتظرون اقوالا بقدر ما يترقبون الأفعال ليس بإرجاعهم لأعمالهم فقط، ولكن لإنهاء هذه الظاهرة السلبية والى الأبد، واستئصالها من الجذور وتوفير الحماية القانونية للعمانيين في القطاع الخاص ضد طغيان الشركات المسرحة التي لا تُراعي ذمة ولا حشمة، ولا يخفق لها قلب ولا يرف لها جفن من دمعة مسرح، وكل أمره إلى الله، فدعوة المظلوم ليس بينها وبين الله حجاب.