أساطين الثقافة وفنونها (3)

 

فن البحر

وداد الإسطنبولي

مستقبلنا القادم نتاج حاضر مُتطلع، وحاضرنا نشأ من بصمات الماضي؛ فهناك دائرة مُتصلة بعضها ببعض وكل منها يتكئ على الآخر ليُكمل بعضه بعضاً، وهذا منشأ التراث الذي أبدعت فيه الشعوب، وأنجزت في تفاصيله من المعرفة الذاتية أو تجارب مكتسبة، وتعرفت عليه الأجيال.

وكما ارتبطت عُمان بثقافتها في البر والجبل؛ فأيضا ماضي عُمان البحري حافل بالأمجاد وله الدور الكبير لأهالي عمان وخاصة الموقع الجغرافي والتجارة البحرية والرحلات التي تقام لفترات طويلة ربطت معها الشجون والألم لفراق من رحلوا في هذه الرحلات.

فقد ارتبطت فنون البحر بعودة المسافر من رحلته، والموضوع واسع النطاق... ويعتبر الفن البحري من الفنون الشعبية الجميلة أيضاً، وربما جماله وإبداعه مأخوذ من تلاطم صوت الأمواج بعضها ببعض، وشاعرية هدوئه، وهدير تقلبه إذا غضب أوحى ألحانا وأهازيج لأهل فنه وشعبيته.

وإن اخترنا من هذا الفن "فن الشيبانية" الذي يختص به أهل صلالة الغناء وخاصة أهل البحر منهم "البحارة" فقد ارتبط هذا النعت بهم لقربهم من البحر وممارستهم لشؤونه، كصيد الأسماك وغيرها، فغلبت التسمية عليهم ويقام بشكل عام بعد عودة المسافرين من غياب طويل عبر السفن والرحلات البحرية.

ويقام أيضًا في مناسبات الأعراس والاحتفالات الوطنية، وهو أداء راق يحتاج للياقة بدنية عالية للمؤدين له، وألحانه طربية وإيقاعه سريع، وغناؤه أيضا، وهو فن مختلط يشابه بعض الفنون الشعبية التي تبرز دور المرأة وكما قلت آنفا ربما صوت البحر وأمواجه المتقلبة وأصوات المجاديف وارتطامها به أحيوا هذا الإيقاع.

والأدوات المستخدمة به الكاسر والرحماني، تأتي الانطلاقة لهذا الفن من دار الشيخ المعروف لأهل البحارة إلى الفرضة "أي مكان رسو السفينة بالأصح الميناء" وتكون الحشود مختلطة من الرجال والنساء لاستقبال أهاليهم من السفر الطويل الشيبان في الصفوف الأمامية ثم الرجال يليهم الشباب والنساء والأطفال، يحمدون فيها بذكر الله والصلاة على النبي لعودتهم سالمين غانمين بدون إصابات.

عند مكان الاحتفال يشكلون دائرة حسب مساحة المكان، وهي قفزات جانبية وخفيفة مع تحريك العصي أو السيف وأحيانا يشارك شخصان أو ثلاثة في المنتصف يقفزون ثلاث قفزات متتالية يلفون بها حول أنفسهم، تشارك النساء برقصة الطبل الشبيهة برقصة الطبل البلدي.

في الوقت الراهن هذا اللحن قد يختفي كاختفاء الألحان التي فقدت كما فقدت بعض الفنون، ونحن من يحيي هذا الموروث عن طريق الكتابة والتدوين والإعلام والسيرة للأحفاد ليتعرف على هويته وانتمائه لوطنه.