حاتم الطائي
◄ قطاع التصنيع رافعة النمو الاقتصادي في مرحلة ما بعد "كورونا"
◄ الشرارة الأولى لخطط التعافي انطلقت مع تدشين "خطة التحفيز"
◄ الصناعة الوطنية قادرة على قيادة التعافي وتحقيق أعلى معدلات نمو
لن تكتمل خُطط التَّعافي الاقتصادي بعد الآثار العنيفة التي خلفتها جائحة كورونا- وما زالت- إلا بتكاتف الجهود نحو إطلاق برامج شاملة للتَّعافي في قطاع التصنيع والإنتاج، خاصة في ظل البيئة الاستثمارية المواتية المُتوافرة، وتحديدًا في المناطق الصناعية والحرة والاقتصادية، والمنتشرة في مختلف أنحاء البلاد.
والحديث عن قطاع التصنيع، دونًا عن قطاعات أخرى، نابعٌ من الأهمية الكبرى لهذا القطاع في مُختلف القطاعات، باعتباره المُحرك الأوَّل للنمو، فمن مميزات هذا القطاع أنَّه كثيف الاستثمارات، كثيف العمالة، كثيف الصادرات، وهذه الثلاثية من الكثافة مطلوبة بقوة في الوقت الراهن، فنحن في حاجة ماسة لاستقطاب رؤوس الأموال لتنفيذ المشاريع، والتي بدورها ستعمل على زيادة السيولة في الأسواق وإنعاش حركة شراء المواد الخام، فضلاً عن نمو الطلب على الأيدي العاملة، خاصة الماهرة منها، وهو ما يُسهم في توفير العديد من فرص العمل لأبنائنا، ومن ثمَّ زيادة الإنتاج، يصاحبه ارتفاع في الصادرات، خاصة إذا كان المصنع في إحدى المناطق الحرة القريبة من الموانئ. ومن هنا نحن نتحدث عن قطاع يمثل الترس الأكبر في منظومة النمو الاقتصادي، والرافعة الأضخم في صيرورة الإنتاج.
ومع العلم بأنَّ الشرارة الأولى لخطط التعافي انطلقت مع تدشين مجلس الوزراء لخطة التحفيز الاقتصادي مطلع مارس الماضي، وذلك بمُباركة سامية من لدن حضرة صاحب الجلالة السُّلطان هيثم بن طارق المُعظَّم- حفظه الله ورعاه- فإنَّ المناخ الاستثماري ملائم للغاية الآن لجذب المزيد من رؤوس الأموال الوطنية والأجنبية، والاستفادة من البنود التي تضمنتها خطة التحفيز الاقتصادي، وتحويل هذه البنود إلى مشروعات ترى النور على أرض الواقع. وتتوازى مع هذه الخطة، جهود حثيثة من الجهات المسؤولة عن الاستثمار في الدولة، تسعى إلى تعريف المستثمر بالفرص والإمكانيات المتعددة بمختلف القطاعات، وهذا ما شاهدناه في زيارة الوفد السعودي رفيع المستوى إلى بلادنا، والذي تعرف على أهم المواقع الحاضنة للمشاريع الواعدة اقتصاديا، وعلى رأسها المناطق الصناعية، والمنطقة الحرة في صحار، والمنطقة الاقتصادية الخاصة في الدقم، فضلاً عمَّا شهده المنتدى الاستثماري العُماني السعودي وقبله اجتماع مجلس الأعمال العُماني السعودي المُشترك. كل هذا الزخم قادنا نحو نتيجة واحدة مفادها أنَّ بلادنا واعدة للغاية وزاخرة بالفرص التي يرغب القاصي قبل الداني في الاستفادة منها، بدءًا بالموانئ ذات المواقع الاستراتيجية على طول الساحل العماني، مرورًا بالإمكانيات اللوجستية النوعية والمتقدمة، وحتى منظومة القوانين والتسهيلات في مختلف المجالات. ويكفي أن نشير إلى ما تضمنته خطة التحفيز الاقتصادي من حيث الإعفاءات الضريبية، والتسهيلات الاستثمارية المختلفة، وبرامج التمويل المخصصة لتعزيز الصادرات.
لكن ما الذي ينقصنا حتى ننطلق نحو آفاق أرحب؟!
الحقيقة إن الجميع كان ينتظر بفارغ الصبر الخروج من ذروة الموجة الثالثة من جائحة كورونا، وها نحنُ قد تجاوزناها بكثير ولله الحمد، توازيًا مع تحقيق معدلات تطعيم مرتفعة للغاية وصلت إلى 73%، ما يعني الجاهزية التامة لفتح الاقتصاد بالكامل، وهو ما تحقق خلال الأسابيع القليلة الماضية. لكن ينقصنا بعض الجوانب إذا ما انتهينا منها سنُحلق بعيدًا إلى الأمام في مشوار التَّعافي الاقتصادي. أول هذه الجوانب: تكثيف جهود الترويج الاستثماري، وخاصة في قطاعات التنويع الاقتصادي، وهي القطاعات التي باتت تحظى الآن بإعفاء من ضريبة الدخل بالكامل لمدة 5 سنوات من بدء النشاط. وهذه الجهود- كما نقول دائمًا- لن تتحقق سوى بتكاتف جهود جميع الجهات المعنية، ولعل من يُمن الطالع- في هذا السياق- أن نرى مشاركة كل من جهاز الاستثمار العماني، ووزارة التجارة والصناعة، والهيئة العامة للمناطق الاقتصادية الخاصة والمناطق الحرة، في الندوة التي نظمها بنك آسيا للاستثمار في البنية الأساسية، وإبراز الجهات الثلاث لمُميزات البيئة الاستثمارية في عُمان، ونأمل أن نرى جميع الجهات ذات الاختصاص الواحدة متكاتفة كما رأينا بين هذه الجهات الثلاث.
ثانيًا: تذليل أي تحدٍ أمام جهود الترويج أو المشاريع الاستثمارية، ونقترح هنا إطلاق خط ساخن وتوظيف برامج الذكاء الاصطناعي (تشات بوكس) لتلقي الشكاوى أو المقترحات بأسرع وقت، فلا ينبغي أن يتأخر مشروع بسبب إجراء بيروقراطي لن يقدم أو يؤخر شيئًا في عمل هذا المشروع.
ثالثًا: قيام المسؤولين- وخاصة الوزراء ووكلاء الوزارات- بجولات تفقدية على أرض الميدان؛ للوقوف على طبيعة العمل، والالتقاء المُباشر بالمستثمرين وأصحاب الأعمال، من باب الاستماع لهم والتَّعرف على تحدياتهم، فمثل هذا الإجراء سيقطع مسافات طويلة كانت تفصل بين المستثمر والمسؤول!
رابعًا: التحلي بالجرأة في اتخاذ القرارات، فكلنا يعلم أنَّ "الأيدي المرتعشة لا تقوى على البناء"، وأضيفُ أن الأيدي المرتعشة لن تحقق الأهداف، ولن تُسهم في تقدم الوطن، ولن تساعد على زيادة الاستثمارات؛ بل ستكون حجر عثرة أمام أي تقدم منشود، وعنصر تثبيط لكل تعافٍ مأمول. لذلك على كل مسؤول عدم التردد في اتخاذ القرار المُناسب، بما يخوله القانون من صلاحيات، لا نريد مزيدًا من التسويف أو تعليق الأمر على جهة أخرى، أو الادعاء بأن هذا ليس من الاختصاص، وغيرها الكثير من الحجج التي لا تفضي إلا إلى نتائج سلبية عانينا منها كثيرًا.
خامسًا: زيادة رأس مال بنك التنمية العُماني، كي يتمكن من إقراض المؤسسات الراغبة في التوسع أو حتى تلك التي تبدأ نشاطها لأوَّل مرة، لأنه في المُقابل سيتمكن هذا المشروع المستفيد من التمويل التنموي منخفض الفائدة، من توظيف أكبر عدد من شباب الوطن، وتوفير بيئة وظيفية مريحة لهم.
ختامًا.. آن الأوان لكي تقود الصناعة الوطنية مرحلة التعافي الاقتصادي، ولذلك عقدنا العزم في "منتدى الرؤية الاقتصادي" على أن تحمل الدورة العاشرة من هذا المحفل الاقتصادي البارز، على عاتقها مسؤولية وضع الخطوط العريضة لكيفية هذا التعافي، وكُلنا يقين بأنَّ مؤسسات الدولة المعنية ستعمل على البناء على مخرجات هذا المُنتدى، كما عهدناها طوال العقد المنصرم، تحقيقًا للازدهار والرخاء والنماء.