التوازن المالي.. وحده لا يكفي!

 

 

خلفان الطوقي

 

خطة التوازن المالي، خطة وطنية أقرتها الحكومة، ولها أهداف ومراحل، متوسطة المدى تبدأ من عام 2021 وتنتهي في عام 2024، والمطالع للخطة يجد أنها تركز على عدة محاور أهمها: الحد من تفاقم الدين العام للسلطنة، ومحاولة تقليله إلى النسب الآمنة، والتقليل من الاعتماد على النفط كمورد مالي وحيد لخزينة الدولة من خلال استحداث ضرائب منوعة، وتقليل وضبط الإنفاق الحكومي وإيقاف أي هدر، ورفع الرسوم المالية على معظم الخدمات الحكومية، ورفع الدعم عن بعض السلع الحيوية من بعض فئات المجتمع مثل المشتقات النفطية والكهرباء، ورفع دعم هذه السلع عن الأنشطة التجارية، علاوة على ضرورة تحفيز الاستثمار الداخلي وجذب الاستثمارات الخارجية، وهي نقطة مهمة تتضمنها خطة التوازن المالي.

وعودة إلى بعض النجاحات التي حققتها خطة التوازن المالي إلى الآن؛ كزيادة الإيرادات حتى منتصف عام 2021 بنسبة طفيفة تصل إلى 0.5% مقارنة بمنتصف عام 2020، وارتفاع الإيرادات النفطية هذا العام بنسبة 3.5% مقارنة بمنتصف عام 2020، وانخفاض الإنفاق الحكومي بنسبة 4.7% حتى يوليو 2021، وانخفاض العجز المالي حتى منتصف هذا العام بنسبة 22.2% مقارنة بمنتصف عام 2020، فضلا عن ارتفاع ايرادات جهاز الاستثمار العماني، وتوقعات بارتفاع الناتج المحلي لهذا العام بنسبة 2.5%، فمن الواضح أنها مؤشرات إيجابية، لكن علينا أن لا نغفل أن العامل المحوري لكل ذلك وهو ارتفاع متوسط سعر برميل النفط بحوالي 9 دولارات أمريكية مقارنة مع ما هو معتمد في الميزانية المالية لعام 2021.

ولأن سعر النفط هو قرار يعتمد على قوى العرض والطلب العالمية وليس قرارا محليا، عليه، لا يمكن أن يعتد به كمعيار وحيد وكمعيار نجاح أو فشل اقتصادي، فإن ما يمكن أن تعتد به الحكومة في قوة الاقتصاد العماني أو ضعفه هو مدى استطاعة الحكومة إقناع المستثمر المحلي بنمو وتوسعة أعماله التجارية في السلطنة، وارتفاع النسبة المئوية لاستقطاب رؤوس الأموال العالمية وتوجيهها إلى عُمان.

فهل مع المتغيرات المحلية والإقليمية سوف تستطيع السلطنة أن تستقطب مزيدًا من الاستثمارات المحلية والخارجية؟ ومن أهم هذه المتغيرات ارتفاع تكلفة استخراج مأذونية العامل الوافد إلى مستويات قياسية وصلت في بعض فئاتها إلى 5 أضعاف وأكثر مما كان يدفعه المستثمر سابقًا، وارتفاع نسبة التضخم بحوالي 3%، ورفع الدعم عن الغاز والكهرباء والماء وزيادة الإيجارات، إلى جانب صغر حجم السوق العماني مقارنة بالأسواق المجاورة، وانحسار عدد العمالة الأجنبية أكثر فأكثر منذ تفشي جائحة كورونا، وزيادة الضغوط على القطاع الخاص في توظيف العمالة الوطنية وعدم تسريحها، وتزايد أعداد العمانيين من المسرحين من العمل، وارتفاع أعداد الباحثين عن عمل سنة بعد سنة، وقلة الإنفاق الحكومي على المشاريع التنموية، وتزايد عدد الشركات المتعثرة والتي ارتفعت بشكل ملحوظ بسبب الأزمة الصحية (كوفيد-19)، وتوقعات بانخفاض القوة الشرائية للمواطنين والمقيمين وتغير السلوكيات الإنفاقية.

فهل مع هذه المتغيرات الجوهرية- التي ذكرنا جزءًا منها أعلاه- ستنجح خطة التوازن المالي في معالجتها؟ وهل مع هذه الظروف سوف تستطيع السلطنة المحافظة على ما تبقى من استثمارات محلية وجذب استثمارات خارجية أخرى؟

ألم يحن الوقت للتفكير واستحداث برنامج آخر موازٍ لخطة التوازن المالي، مهمته الوحيدة فقط: إنعاش الوضع الاقتصادي، والعمل بشكل مستقل، فلا يكفي أن يكون محور التحفيز الاقتصادي جزءًا من منظومة خطة التوازن المالي، وإنما وبسبب تعدد المتغيرات ونوعية التحديات المحلية والإقليمية، من الأفضل تخصيص برنامج مستقل لهذا الإنعاش الاقتصادي، يعمل بشكل متوازٍ مع خطة التوازن المالي، يلتقيان أحيانًا، ويتقاطعان أحيانًا أخرى، لأجل استدامة مالية وتنمية اقتصادية ورفاه مجتمعي ينمو باستمرار.

الأكثر قراءة