شكرًا.. وزارة العمل!

عبدالله الفارسي

فاجأتنا وزارة العمل عبر حسابها الرسمي على موقع "تويتر"، بابتكار جديدٍ، وهو تصوير لحظات الفرح لدى أولئك الذين وفقّهم الله في الحصول على وظيفة حكومية، بعد مُعاناة طويلة من الانتظار حتى إنني طلبتُ من رئيس التحرير تقديم مقالي يومًا واحدًا، مُواكبةً لهذا الفرح، خشية من ذوبانه وخوفًا من تلاشيه.

حقيقة أنا لم أرَ أو اسمع أنَّ هناك وزارة عمل في أيِّ دولة من دول العالم تقوم بتصوير الحاصلين على عمل وتوثيق لحظة فرحتهم واستلامهم للعمل. لكن لنُحسن الظن بوزارة العمل وبمسؤوليها الرائعين ولنقل بأنَّه اختراع جديد وعقار جيد لتطبيب النفوس وإنعاش القلوب وإسعاد الخواطر.

الحقيقة المؤكدة أننا كلنا فرحنا مع الفرحين وسعدنا بسعادتهم حين رأينا صورهم وهم ضاحكون مستبشرون، ومن وجهة نظري أن التقاط صور بهذا الشكل ليس سلوكا سيئا؛ بل سلوك إيجابي وطيب إلى حد ما.. ونتمنى الفرح والسعادة لكل أبناء الوطن من شرقه إلى غربه ومن شماله إلى جنوبه.

ولكن علم النفس يقول إنَّ توثيق الصور هنا ليس شيئًا محببًا أو سلوكًا مهذبًا في التعامل مع شباب مُستحقين لهذه للوظائف؛ وهي حق من حقوقهم طال انتظارهم لها.. غير أنه ربما تعمدت الوزارة إخفاء صور الدموع المنسابة والمتدفقة من عيون الآلاف من الذين لم يُحالفهم الحظ ومئات المسرحين المتألمين والموجوعين، والذين ما زالوا حتى اللحظة يتم تسريحهم دون إكتراث أو مبالاة بوزارة العمل وكاميراتها الديجتل الدقيقة.

آخرهم دفعة بالأمس القريب؛ حيث تُتداول أنباء عن تسريح شركة حديد صحار لنحو 52 مواطنًا إلى بيوتهم، وهو ما أكده عدد من المُسرّحين عبر وسائل التواصل الاجتماعي.

بصراحة نحن فعلاً بحاجة إلى الفرح بحاجة ماسة إلى صور الفرح فقط في الوقت الراهن. فشكرا وزارة العمل!

مع العلم أن اقتناص لحظات الفرح القليلة جدًا والنادرة في حياة شاب وتوثيقها بالصور، لن يُحقق شيئًا من الرفاه للوطن، ولن يمنح وزارة العمل درجة الامتياز، لكنه حتماً سيُقلل من نسبة الاكتئاب معي أنا وأمثالي من المتابعين للواقع بصمت وذهول.

رغم أنه ولله الحمد أن وطننا بدأ يتعافى من كورونا- كما بدأ يتعافى في جوانب كثيرة ومجالات عديدة وتقدم درجات إلى الأمام- لكنه ما زال لم يتعافَ من مرض "شح الوظائف" هذا المرض المزعج العضال. ورغم أنَّ هناك تعافٍ واضحٌ ولا ينكره أحد، لكنه تعافٍ محدود وتطور بطيء جدًا، إلا أنه أيضًا يبشر بالخير لمستقبل هذا الوطن.

هناك الكثير من الحفر والمطبات في الطريق، كما إن هناك الكثير من الخروقات والأخطاء والتي تعمل الحكومة جاهدة بكافة أجهزتها على إصلاحها وتجاوزها.. ولعل أهمها هو قضية التشغيل ويبدو أن هناك "عدم إخلاص" وتقصير كبير من طرف ما في حل هذه المعضلة.

إن تشغيل الشباب وتوفير فرص للحياة الكريمة لهم، أهم قضية تؤرق الجميع حاليًا مواطنين ومسؤولين، وحلها العاجل سيحل وسيقضي على مشاكل ومصائب كثيرة في المجتمع؛ فالمواطن بإمكانه أن يتحمل كل الضغوط والمنغصات والضرائب التي تصب فوق رأسه، لكنه بالتأكيد لن يحتمل الفراغ والبطالة وانعدام مصدر الرزق.

هنا الخطاب موجه ليس للمسؤولين الذين أولاهم جلالة السلطان- حفظه الله- كل ثقته ودعمه والذين نتمنى ونأمل منهم أن يكونوا في محل الثقة السامية، كما نأمل منهم أيضًا مزيدًا من التفهم ومزيدًا من التضحية والسعي الدؤوب الصادق لتحقيق الرخاء والنهوض بهذا الوطن؛ بل الخطاب موجه تحديدًا لأولئك الذين منحتهم الدولة طوال السنين الماضية كل الفرص الممكنة والمتاحة ليصبحوا من كبار الأثرياء ومن أعظم الأغنياء في منطقة الخليج.

رد الجميل فضيلة عظيمة لا يتقنه إلا أصحاب النفوس الطيبة والضمائر الحيَّة، وأتمنى من كل من منحته الدولة وفرشت له طريق الثراء بالورود والزهور أن يمد يده لها الآن، وليعلم أنه مهما أعطى وقدّم، فلن يفي بالدين الذي على عاتقه لوطنه ودولته؛ فالوطن كالأم.. مهما قدمت لها، فلن تتمكن من إيفائها حقها عليك.

وكما الوالدين هما سبب وجودك؛ فالوطن هو سبب بقاؤك ونموك وتطورك وازدهارك.

فرفقًا بهذا الوطن ومزيدًا من الحب والوفاء والعطاء والسخاء له؛ ليتجاوز مشاكله وليُحافظ على بقائه عزيزًا شامخًا مزدهرًا.

وأخيرًا أتمنى من وزارة العمل زيادة أعداد صور الفرح اليومية وزيادة وتيرتها وزيادة الوجوه واللقطات الباسمة، فكلما زادت صور ولقطات فرح الشباب، انخفض معدل الألم والاحتقان وزاد فرح المواطنين وارتفعت سعادة الوطن بأكمله.