13 سبتمبر.. التاريخ البديل لحادثة هزت العالم

أحمد الرحبي

أستعيدُ هذا المقال الذي كتبته قبل عدة سنوات عن ذكرى 11 سبتمبر، ونشرته في هذه الصحيفة الغراء، كجزء من الذاكرة المُستعادة حول هذه الحادثة التي هزت العالم، فإلى أي حد قد تسعفنا الذاكرة في استعادة ذكرى "11 سبتمبر"، نحن المزحومة ذاكرتنا بما توالى وما زال يتوالى من أحداث جسام، منذ استهداف البرجين التوأمين صباح ذلك اليوم المشؤوم قبل عشرين عامًا، وكأنَّ الشر كل الشر كان ملجماً ومحبوسًا أسفل أساسات هذين البرجين، فما أن انهارا حتى انطلقت هامته السوداء، تلقي بظل كالح على كوكبنا الأرضي بأسره.

فما توالى من أحداث والتي هزَّت وقلبت الكثير من الثوابت الراسخة على الأرض وفي الاستراتيجيات، وفتحت المجال لتوليد مفاهيم جديدة كل الجدة في السياسة وغيَّرت مبدأ التعامل في القضايا العسكرية والأمنية في العالم إلى غير رجعة، يجعل حادثة 11 سبتمبر (لولا تلك المُفاجأة المكتنزة بالإثارة في استهداف البرجين في ذات صباح وهما الشاهقان حتى عنان السماء، بوسيلة لم تكن تخطر على بال)، حادثة مُتواضعة مُقارنة بما تلاها، حتى لا نقل إنها تافهة، وهي ذكرى هذه الحادثة لا تصلح في أهم مغازيها إلا في إعطاء مثال عن اندحار ثقة الهندسة المعمارية الحديثة، في نفسها وعن خيبة أمل مهندس البرجين أو مصممهما، في شدة وثوقه فيهما، البقاء صامدين.

أما سوى ذلك فقد سالت عليه مياه كثيرة تحت الجسور، وتخطته الأحداث، فما عاد ينطلي على أحد اعتبار هجمات سبتمبر، ذريعة لحرب تماهت واختلطت فيها الأدوار بين إرهاب، لا يهمه أين أخطأ وأين أصاب، وإدارة أخطأت أكثر مما أصابت، حين أرهبت العالم بذريعة محاربة الإرهاب، ففقدت سندًا أخلاقيا وإنسانيا بذلك في حربها التي تخوضها.

وبالنسبة لتاريخ هجمات "11 سبتمبر" التي نُفذت على مبنى وزارة الدفاع الأمريكية "البنتاجون" وبرجي التجارة العالمي، فيمكننا التساؤل هل هناك حرص ذكي مضمر من محمد عطا وفريقه على ألا ينال عملهم تلك الرمزية للشؤم وألا ينال صفة الأيقونية لشر مستطير لا تعادله أفعال أخرى في اجتراح الشرور أو توازيه في كفة الميزان مهما أوغلت في شرها هذه الأفعال؟ ذلك أنَّ الهجمات المنفذة كان يفصلها يوم واحد فقط عن 13 سبتمبر ورقم 13 كما جرت العادة هو الرقم العالمي الذي يتشاءم ويتطير منه الجميع، فهل كان فريق الانتحاريين أكثر تواضعاً أمام ما ستتفتق عنه عبقرية "المحافظين الجدد" من شرور عمّت العالم وأغرقته في حقبة من المظالم الفظيعة؟

يقول مسؤول أمريكي بارز واصفاً ما خلفته حادثة 11 سبتمبر: "لقد قيل الكثير ونسجت حكايات بعد الحادي عشر من سبتمبر ووقع الخلط في هذه الروايات ما بين مسحوق الحليب المُجفف ومادة الانتراكس"، وبما أن الوقت حاليًا وقت تذكر واستعادة لحدث رهيب هزَّ العالم وزلزله من أقصاه إلى أقصاه هو 11 سبتمبر الذي نستطيع القول عن هذا الحدث أنه فجر الرهبة والرهاب في نفس الوقت في سكان كوكبنا وأطلقهما بلا حدود على شكل قلق وهواجس مخيفة باتت تقض مضاجع العالم (حكوماته قبل سكانه) من تكرار حدث كارثي كهذا دون توقع أو حتى دون تخيل لحجمه في أي منطقة من العالم بحصيلة كارثية كبيرة من الضحايا وأنه كان هذا الحدث المشؤوم بمثابة (ركلة عنيفة) للكرة الأرضية أخرجتها من مدارها المعتاد في (الملعب) الدولي فلم تعد لا التوازنات ولا خطوط الطول والعرض (أقصد السياسة) هي نفسها ما قبل انهيار برجي مركز التجارة العالمي.

فما كان واقعاً متحققاً لأحادية الجانب في قيادة العالم وتسنم زعامته من قبل الولايات المتحدة بعد انهيار الاتحاد السوفيتي وانتهاء ما عرف بفترة الحرب الباردة والاستقطاب ما بين معسكر شرقي ومعسكر غربي الذي ميز هذه الفترة قد اهتز نتيجة هذه الزلزلة وعفرت هامته في ركام البرجين المنهارين وما كان يعرف بأسطورة أمريكا المحمية والآمنة وراء محيطها من أزمات العالم القديم ونيران حروبه المُشتعلة قد سقط سقوطا مدويًا مع انهيار برجي مركز التجارة العالمي.

أقول بما أن الوقت وقت تذكر واستعادة لحدث رهيب وكارثي كهذا رج العالم وزلزله فليس من عزاء للمرء في سبيل هذا التذكر والاستعادة إلا إعادة مشاهدة الصور واستعادتها مرات ومرات لكي يحوز على طازجية الحدث ودرجة الحرارة بالمقياس الفهرنهايتي التي بلغها الحدث في حينه فلم يُؤثر عليها شيء من التقادم بعد مضي أكثر من عشر سنوات طالما الصورة هي السبيل إلى هذا التذكر ولاستعادة المطلوبين لا لشيء إلا لمجرد الرغبة التي لا يقاومها المرء في التنقل بين أقانيم ذاكرته (الحاضر والماضي وحتى المستقبل المنقادة إليه الذاكرة والمفضية كنتيجة طبيعية يطرحها حاضر هذه الذاكرة).

فالصورة الماثلة لهذا الحدث الرهيب والمعبرة عنه التي كأنها جاءت نتيجة إخراج فني مُتقن لا تمله العين بل تستعذب كل تدفق في الحركة في مشاهدها ولقطاتها المتوالية وهي توثق لحظة اصطدام الطائرتين بالبرجين في حراك مُثير ومُبهر لا يفتر في تصاعد وتائره الذي يشمل بعد ذلك اشتعال النار في مبنى البرجين وانهيارهما المدوي بعد ذلك تحت شدة تأثير سعير الحريق، ستبقى ربما لزمن طويل صورة شبحية وأيقونة للهلع والرعب المعرض له عالمنا في أي مكان وفي أي لحظة.