◄ صباحات الشتاء في مسقط مذهلة، ولا يتسع المجال هنا لوصف جمال مسقط والتغزل في حسنها
سالم بن نجيم البادي
ذهبت إلى مسقط التي لم أزرها منذ فترة طويلة برفقة العائلة بهدف السياحة، ومسقط مدينة يمكن أن يألفها المرء وأن يقع في هواها من الوهلة الأولى، كنت هنا ذات سنة أيام الصبا؛ حيث الدراسة لمدة سنة وكان الأساتذة نخبة من الدكاترة من مصر العزيزة.
ولا أنسى أستاذي في التدريب العملي الذي يريد أن يغرس الثقة بالنفس في ذواتنا ويحكي لنا قصصًا من تجاربه الشخصية حين كان ينجز أعمالا ويدلف إلى أماكن وما كان ليستطيع فعل ذلك لولا ثقته بنفسه وشموخه وكبرياؤه وعنايته بحسن مظهره لكني أشك الآن أني قد امتلكت فضيلة الثقة بالنفس والدكتور مدرس الإحصاء الذي أتعبته بسوء فهمي وضعفي الشديد في الإحصاء ذلك أني كرهت الرياضيات والأرقام إلى الأبد، وتعقدت نفسي بسبب معلم الرياضيات في المرحلة الإعدادية، الذي كان يتفنن في أساليب الضرب أو التعذيب، ومن هذه الأساليب وضع أصبعه الإبهام تحت اللسان والضغط بقوة والضرب على الأصابع، بعد أن يطلب منِّا قلب أيدينا.
وهنا في مسقط تفتحت أزاهير الحب مع زميلتي الفاتنة والتي كانت تحصد الدرجات النهائية وتخطف الأبصار حين تعتلي المنصات، ولا تزال بقايا من ذكريات يشتعل أوارها في قلبي، كلما جئت إلى روي، ثم درست سنة أخرى في جامعة السلطان قابوس وقد أقمت في وادي عدي سنة ومنطقة شاطئ القرم سنة أخرى.
ومسقط جميلة في كل الأوقات لكنها تزداد جمالاً وروعة أيام الشتاء وليالي الشتاء الدافئة، ندرك ذلك نحن القادمين من أقاصي جبال ولاية ينقل الباردة، وحين نصل مسقط فإننا نتخلى عن الكوت والبرنوص.
وصباحات الشتاء في مسقط مذهلة، ولا يتسع المجال هنا لوصف جمال مسقط والتغزل في حسنها. وجدت مولات تنمو هنا وهناك ومنتجعات راقية وتوفر الرحلات البحرية بأسعار معقولة وتوجد أماكن كثيرة يمكن زيارتها مثل الموج مسقط ومطعم بسطة عُمان ومطعم الغابة ومطاعم الكهف، وغير ذلك من الأماكن.
لكن هل وجدت الحلول للتخفيف من الزحام المروري الخانق وماذا عن مشكلة مواقف السيارات؟
شوارع مسقط صعبة خاصة على الغريب وغير المعتاد على اقتحام متاهاتها، ولو لا الصديق والرفيق جوجل؛ لكنت أمضيت جل وقتي في السؤال أين الطريق؟! وقد مارست عادتي التي أقوم بها في كل المدن التي أزورها، ففي الليل وبعد أن يعود كل الرفاق إلى النزل انسل خارجًا أهيم على وجهي في المدينة سيراً على الأقدام تروق لي المدن بعد أن يهدأ ضجيجها في آخر الليل. وقد تركت سيارتي وركبت سيارة أجرة من كورنيش مطرح إلى روي ومن روي إلى دوار الخوض، ومن هناك إلى الخوض السادسة، وقد دفعت ثمن تهوري هذا أكثر من ساعة ونصف الساعة في انتظار سيارة أجرة حتى أعود إلى سيارتي!!
أحب ثرثرة سائقي سيارات الأجرة، وكانت الشكوى متشابهة مع كل من ركبت معهم، وهي غلاء البترول، وغلاء كل شيء، والزحمة حتى إن السائق كان يخرج إلى الشوارع الجانبية هربًا من الزحام كلما سنحت له الفرصة.
ملاحظاتي على سيارات الأجرة أن معظمها تحتاج إلى العناية بالنظافة داخل وخارج السيارة، وبعض أصحاب سيارات الأجرة يتعاملون تعاملاً فظًا مع الركاب، خاصة الوافدين، ثم يحدث ذلك الجدال والمساومة على مبلغ الأجرة، ألا يوجد حل لذلك؟ تركيب عداد مثلاً لحساب الأجرة؟!
أما عن الفعاليات والأماكن التي ذهبنا إليها، فقد قمنا برحلة بحرية انطلاقاً من شاطئ البستان في قارب صغير، وزرنا المقهى الراقي والهادي "Ratio" في القرم ومقهى "نسق" الجميل، والمملوء باللوحات الفنية وهو المكان الذي يجذب هواة الرسم ويعرض بعض اللوحات الفنية بمقابل مادي ولفترة محدودة.
هذه المقاهي مكان ملائم للذين يطلبون الهدوء والرومانسية والهروب من صخب وضجيج المدينة مع فنجان قهوة مختارة. ثم زرنا صالة "ستال" للفنون التي يعرض فيها الفنان التشكيلي حسن مير لوحاته الفنية.
وزرنا رواق الرسامة عالية الفارسي في منطقة الرسيل وزرنا مكتبة الأطفال العامة في القرم، وقد أعجبنا التنظيم الجميل والتنسيق الجاذب للأطفال وموقعها المطل على أشجار القرم. كما تجولنا في سوق مطرح الذي تفوح من بين ردهاته رائحة البخور والعطور وعبق التراث والأصالة والعراقة وأمضينا وقتاً رائعًا عند شاطئ القرم وقت العصر.
أما الحدائق.. فقد ذهبنا إلى حديقة ريام، والألعاب فيها محدودة، ولا جديد فيها، وكذلك حديقة "مرح لاند" في القرم، التي تحتاج إلى تطوير وتجديد وإضافة ألعاب جديدة.
تناولنا طعام الغداء في مطعم "روزنة" الفخم ويوجد في مبنى على شكل قلعة شامخة وأصبح معلما من معالم مسقط، وصار مقصدًا لمحبي الأكل العماني التقليدي، وبعد أن وضعنا صورته في الإنستجرام انهالت عبارات الثناء عليه، وبعضهم يسأل عن موقعه.
الحقيقة أنَّ بلادنا زاخرة بالأماكن المدهشة التي تستحق الزيارة، ونحن هنا نشجع السياحة الداخلية، ونشعر بالفخر والسعادة، ونحمد الله تعالى الذي منَّ علينا ببلاد رائعة وآمنة ومطمئنة.