"اللي على راسه بطحة.."

 

الطليعة الشحرية (حالوت أليخاندرو)

أجملُ ما في الأمثال الشعبية أنَّها "نطفة مخلَّقة" من رحم الواقع؛ فهي تختصر خبرة سنين في كلمات معدودة.. ولمناسبة العنوان، أستحضر هنا أحدَ الأمثال التي تختصرُ الواقع النفسي بشكل فكاهي: "اللي على راسه بطحة يحسِّس عليها".

هذا المَثَل تحديدًا يُداعب مُخيلتي كثيرًا خلال الفترة الحالية، مُستحضِراً في ذهني موقفًا، حُكي لي على سبيل الاستفاهم التعجبي، تلك النوعية من التساؤلات التي لا تستدعي منك إجابة، بل إجاباتها تكمُن في طيَّات استفهاماتها: كيف إذا قادتك أقدارك يومًا عُنوةً للضغط بأصبعك على ثقبٍ، فانبجس من خزق ماسورة عطبة كمٌّ من القذارات في وجهك، مُكتشفًا حيناها أنك ضغطت على عِرقٍ بربريٍّ نافرٍ وفجٍّ، تنفضح به السَّوءة؟!! فماذا عليك حينها؟ أليس غسل وجهك بماء نقي وبارد والابتعاد عن مكبِّ القاذورات؟!

ولأنَّني مِمَّن يُجِلُّون كثيرا "الراحة الروحية"، وأعتبرها من أكثر نعم الله علينا الموجبة للشكر لكي يُديمها البارئ علينا، فقد آثرت انتهاج سياسية التغافل أو بالعامية "طنِّش تعيش".. فزجُّ الأنوف وحشر الأقدام في حذاء لا يتناسب مع قياسها أمرٌ مؤذي ومُكلف عقليًّا وروحيًّا. وكذلك بعض المواقف الدنيوية تستوجب في بعض الأحيان أن تمشي حافي القدمين، كأسلم وسيلة لعلاج ألم الحذاء المستمر. ولطالما راودتني خاطرة التغيير نحو الأفضل، ولا أخفيك قارئي سرًّا بأنها كانت بالفعل إحدى ركائز الكتابة، فأنا أكتب لأشكِّل علامة فارقة - وإن كان الأمر معي طفيفاً.

ففي الأسبوع الماضي مثالاً، تبادلتُ مع أحدهم رأيًا عن الكلمة وقوتها، وفعاليتها وقدرتها على التغيير، والآن ألمس هذه المسألة حقيقة، فأن ينتفض شخصٌ ما ويسحب مقالًا برمته على نفسه، ويحذو به الانزعاج والامتعاض لافتعال زوابع أقصى مداها فِنجَان، هو في الحقيقة أمرٌ مُضحِك للغاية، وإن كان ينمُّ عن حماقة مُنقطعة النظير.

فهل البشرُ حسَّاسون تجاه ذنوبهم المطمورة؟ بالطبع نعم؛ فالأمر أشبه بجَرَّةٍ تَدسُّ رأسك فيها "غباءً"، ولا تملك القدرة على التحرُّر منها، فيقز مباشرة إلى مِرآة عينِك عُريَّك الداخلي، فيشتط غيظك وتتخبَّط، فتضرب برأسك والجرة التي تطوِّقها في كل الاتجاهات لتُثبِت للجميع أنَّك مظلوم، والكل يدلِّس عليك لأنك ببساطة "فَلتة زمانك"، ولأنك فريد من نوعك ونادر، وهنا يستخدم "الظالم المظلوم" سياسية "ضربني وبكى، وسبقني واشتكي".

إنَّ عورة البطحة في سباق "جري الوحش وغير رزقك ما تحوش"، أنها تكشف مستور النفوس (low self-esteem) أي "احترام الذات متدني"، وهو تقييم الفرد لنفسه وشعوره بالاحترام والقيمة والكفاءة.. و"يشمل تقدير الذات قناعات الشخص حول نفسه؛ على سبيل المثال: "أنا كفؤ" أو "أنا ذو قيمة"، إضافة للحالات الشعورية مثل الانتصار واليأس والفخر والخجل". وكنوع من تعويض " تقدير الذات المتدني" يميل هؤلاء الأفراد إلى تجميع النياشين، والتي قد تتمثل في الشعور بالإعجاب والتقدير المبالغ فيه، دون دراية كافية بأنَّ ذلك في الغالب مجرد أشياء معنوية. لذا؛ قد تجد امرأة ما تحصد إشادات الإعجاب بأقذر الطُّرق فقط لأنها ترى في ذلك معناوية مرتفعة تعزز قيمة ذاتيتها المتدنية.. وهذا النوع للأسف يُغرق نفسه بأحاديث البريستيج والاستايل والمستوى، إلى أن يفقع لك طبلة أذنك، وهو يردد أنَّ الذوق والمستوى يحتِّم عليك أكل البيتزا بالشوكة والسكين!!