مسؤول تحت سلطة المواطن

 

مسعود الحمداني

samawat2004@live.com

 

متى نفهم أنَّ الوظيفة مسؤولية وليست نفوذًا أو سلطة؟ متى نفهم أنَّ الوزير مُجرد مسؤول مُؤتمن على مصالح الشعب، وليس رسولًا منزلًا ومنزّهًا؟ ومتى نرفع "الحصانة الإعلامية" عن المسؤولين وننتقد تصرفاتهم ومشاريعهم وأفكارهم دون خوف من مطاردة قانونية أو استدعاء من الادعاء العام؟ ومتى يبدأ تفعيل قانون "من أين لك هذا؟" ومتى نفهم أنَّ الحكومة برمتها ما هي إلا مجموعة مُواطنين موكول لهم مصالح بقية المواطنين وأنهم ليسوا فوق مستوى المسؤولية والمساءلة والمحاسبة؟

هذه الأفكار المتجذرة التي توارثتها الأجيال، لا يُمكن لها أن تستمر إلى ما لا نهاية، فكلما كانت الشفافية والمُكاشفة وتداول الأفكار وانتقاد القرارات غير المناسبة متاحًا لجميع المواطنين كلما نضج المُجتمع، وتشارك في مسؤوليته الاجتماعية، وغدا كل فرد قادرًا على إيصال رؤاه، دون توجّس أو خوف من ملاحقة قانونية، أو تحفّظ على ما يطرح، فالوزير أو المسؤول بشكل عام ليس شخصًا فوق القانون، وقراراته ليست مُحصّنة بحكم منصبه، فهو بشر قد يُخطئ وقد يصيب، فإذا أصاب فذلك هو المراد، وإن أخطأ فعلى الآخرين تنبيهه- عبر وسائل الإعلام المُختلفة- إلى خطأ قراره، وتعديل مساره، ولا شك أن هناك مساحة واسعة للأخذ والرد بين جميع الأطراف.

الشرط الوحيد الذي يجب عدم الاقتراب منه هو المساس بشخص المسؤول، أو تجريحه، أو التشهير به دون دليل مادي ملموس، فحقه كمواطن مُصان مثله مثل غيره، أما فيما يتعلق بوظيفته وقراراته فهي مثار الجدل، والنقد، والتناول.. فالتصفيق لم يصنع بلدًا، والتطبيل لم يخلق وطنًا، والمدح والثناء لم يطِل عمرًا، كما إن النقد لم ينقص قدرًا، فالصحافة والإعلام بوسائله المختلفة لم تُوجد لتزييف الحقائق، وقلب الأمور؛ بل جُعلت مرآة للمجتمع، وانعكاسًا لنبض الناس، وهموهم، ومشاكلهم، وانتقاد ما يجب أن يُنتقد، لكي يكبر الوطن، وتكبر معه أفكار أبنائه، ورؤاهم، وشعورهم بقيمتهم الوطنية والذاتية كمواطنين لهم رأي يؤخذ به في بناء بلادهم. فكم من قرار وزاري أثار الرأي العام، واستفز مشاعر المواطن، وكم من مشروع على الورق صرّح به المسؤولون من سنوات ولم نره واقعًا إلى اليوم، وكم من "سرقة" مشهودة ومُوثقة في بعض الوزارات من موظفين متنفذين لم يُساءل وزيرها عن مسؤوليته الأخلاقية والوظيفية تجاهها؟ وكم من مخالفات إدارية ومالية مرت مرور الكرام إعلاميًا؟ وكم من تباطؤ في تنفيذ مشاريع أدّى تأخيرها إلى مضاعفة تكلفتها؟ وكم من تلكؤ في صنع قرارات حيوية واستثمارية وسياحية كانت نتيجتها خسارة مليارات الريالات المستحقة؟ وكم من مساحات شاسعة من الأراضي تنتشر في المحافظات المختلفة يتملكها شخص واحد استولى عليها بوضع اليد، وشهادات الزور، أو بطرق غير قانونية ملتوية، لم يمسها أحد رغم القرائن العقلية والمادية التي تنفي أصل ملكيته لها؟ وغير ذلك من أمور مسكوت عنها ما كان لها أن تكون لو كان هناك رأي عام مؤثر، وضاغط، وصوت مسموع، وإعلام قادر على التغيير للأفضل من خلال أجهزة الدولة المُختلفة.

إنَّ المواطن شريك في المسؤولية الوطنية، والمسؤول الحكومي- أيّا كان منصبه- لا يجب أن يكون فوق مستوى النقد، فوظيفته العامة تجعل منه شخصًا مُستعدًا لتقبّل الآراء البناءة، والتفكير بحيادية وموضوعية فيما يصل إليه من وجهات نظر، وأفكار واقتراحات، ولعلَّ في وجود بعض الوزراء على منصات التواصل الاجتماعي ما يُتيح مزيدًا من مساحة التواصل التفاعلي بينهم وبين المُواطنين، ويجعل عملهم أقرب للواقعية بدلاً من المكاتب الموصدة، والأبواب المغلقة، و"جيش السكرتارية" الذين يحجبونه عن الناس، وهو في نفس الوقت مؤشر لسعة صدر المسؤول الذي ولي مقدرات الوطن، وقدراته الشخصية على الحوار وتقبل النقد، ودليل عملي على أن الوطن يسير في الاتجاه الصحيح نحو المستقبل.