الإجادة المؤسسية وقياس رضا الموظفين

أحمد بن سليمان العبري

تطمح الرؤية المُستقبلية "عُمان 2040" إلى بناء جهاز إداري مرن مُبتكر وصانع للمستقبل، قائم على مبادئ الحوكمة الرشيدة، ويتَّسم بالفعالية في مجال التخطيط والتنظيم والمتابعة والتقويم ويستشرف المستقبل، من خلال تكوين شراكة متوازنة بين أطراف العلاقة وتحديد العلاقات بينهم، إضافة إلى أنَّ الرؤية تهدف إلى سوق عمل جاذب للكفاءات ومتفاعل ومواكب للتغيرات الاقتصادية والمعرفية والتقنية، مع وضع قوانين وتشريعات مُنظمة للعمل وفق معايير مهنية وبيئة عمل محفزة ومستجيبة للمتغيرات.

لكن في المقابل نجد أنَّ وزارة العمل توجهت إلى تطبيق منظومة جديدة لقياس الأداء الفردي والإجادة المؤسسية؛ حيث اقتصرت على مستوى أداء الموظف دون تقييم بيئة العمل، على خلاف المفاهيم السائدة أن الإجادة المؤسسية تقوم على عدة محاور منها الموظف، بالإضافة إلى الإدارة وبيئة العمل، وتتبع عدة أساليب للوقوف على مستوى المؤسسات والمفاضلة بينها ومن ذلك اعتبار الشكاوى والاقتراحات داخل الجهة أحد معايير تقييم المؤسسة، وكذلك قياس رضا الموظفين.

واعتمدت منظومة الإجادة المُزمع تطبيقها على قياس أداء الموظف من حيث مستواه بشكل عام وإنتاجه وإبداعه وسرعته في إنجاز الأعمال الموكلة إليه، وربط الترقيات والمكافآت والحوافز بتلك المنظومة، ومن الأسباب التي دعت إلى ذلك هو ما يتوقع من آثار إيجابية متعلقة بمستوى الإنتاجية في المؤسسات الحكومية.

إلا أنَّ تلك المنظومة أغفلت أن أداء الموظف ليس هو المكون الوحيد للإجادة المؤسسية، بالرغم من أنَّ الموظفين يشكلون الركيزة الأساسية التي تقود التنمية، وهم يتطلعون إلى بيئة العمل التي تدعم مسيرتهم المهنية عبر توفير فرص النمو الوظيفي، ووصول الموظف إلى حالة من التناغم الوظيفي بينه وبين زملائه ومسؤوليه في العمل، بما يُسهم في خلق بيئة عمل مريحة ومحفزة على الإنتاج ومشجعة على التميز، ويعود بالنفع على الموظف والمؤسسة.

وفي سبيل الإجادة المؤسسية؛ ابتكرت بعض المؤسسات استبانة رضا الموظفين ليتم تقييم بيئة العمل في مُختلف الجهات ومعرفة المعوقات التي تُواجه الموظفين لتلافيها وتصحيح المسار للوصول إلى بيئة عمل مُنتجة، وذلك من خلال تحليل نتائجها وإجراء المُقارنات ليتم اتخاذ الإجراءات التصحيحية، وأخذ ملاحظات الموظفين بعين الاعتبار عند التطوير، بالإضافة إلى إيجاد نظام للاقتراحات والشكاوى ليمثل صوت الموظفين لدى جهة العمل، وعلى الجهة إصدار تقارير دورية داخل الجهة وخارجها حول نسب الاقتراحات والشكاوى المقدمة ووسائل التعامل معها، لزيادة ثقة الموظفين بهذا النظام وحثهم للمشاركة فيه.

ويمكن أن يتم إجراء تقييم بيئة العمل في الوحدات المختلفة والمقارنة بينها، وذلك استناداً على عدة مؤشرات منها نسبة وضوح الأهداف المؤسسية للموظفين، ونسبة الرضا الوظيفي، والرضا عن التواصل الداخلي، ومعدل نمو الاقتراحات والابتكارات لدى الموظفين، ومدى توفر فرص التعلم والتدريب، وعدد التظلمات المقدمة من قبل الموظفين والدوران الوظيفي، وتبني أفكار الموظفين التي ترمي إلى تطوير العمل، والمكافآت، وجعل التواصل باتجاهين للاستماع إلى الموظفين. لذلك نرى أنَّ منظومة تقييم الأداء والإجادة المؤسسية بشكلها الحالي لا تتعدى أن تكون استبدالا لنظام تقييم الموظفين السابق، ولا تطال آثارها إلا الموظفين الذين سوف يتم ترقيتهم، ونأمل أن يتم إعادة النظر في هذه المنظومة لتعمل على الوصول إلى الإجادة المؤسسية.

تعليق عبر الفيس بوك