مدرين المكتومية
نختلف كأشخاص في كل شيء، وإن كانت هناك الكثير من القواسم المشتركة بين البشر، خاصة داخل المجتمع الواحد أو الأسرة الواحدة، لكن علينا أن ندرك جيدًا أن الآخر لا يُفكر كما نفكر، ولا يرى من خلال النافذة التي نطل منها، ولا يسلك الطرق الذي نجد فيها خلاصنا.. ببساطة كل منِّا له مساراته وكل منِّا له طريقة حياة وأسلوب تفكير، والبيئة التي نشأ فيها أيضاً تلعب دورا كبيرا في ذلك.
دعونا نتخيل معاً للحظة بسيطة، مستشفى كبير، أسرة مليئة بالمرضى، وممرضين وأطباء يمارسون مهامهم الوظيفية، ولكن من بين هذا الكم الهائل من الكادر الطبي هناك أشخاص، بمجرد أن يدخل باب المستشفى ينسى تماماً أنه رب أسرة، وأن لديه مشاكل عائلية، وإنما يتعامل بإنسانية، يضحك بوجه المريض، يطمئن عائلته، يشرح له حالته، ويمارس معه دور الطبيب والاستشاري النفسي في ذات الوقت، هؤلاء هم من يمكن أن يطلق عليهم كلمة "إنسان" تجرد من كل ما هو عليه وتعامل مع المريض على أنه شيء يخصه، شيء مهم بالنسبة له.
إن الطب ليست كأي وظيفة وإنما هي رسالة إنسانية نبيلة، هي الابتسامة التي يرسمها الطبيب على الوجوه الحزينة، هي الرسالة السامية التي لا تقارن بأي رسالة أخرى.
أعلم جيدًا ما يعيشه هذا النوع من الأطباء، هم يعيشون دائمًا وفق دواخلهم ومشاعرهم، يرفضون أن يخسروا حربهم مع مريض آمن بهم ووثق بأنهم بر الأمان، فعندما يخسر مريض تجده ينهار داخلياً، وعندما يساعد مريضا بتجاوز محنته تجده في قمة سعادته.
خلال الأيام الماضية التي تعايشت فيها مع والدتي بالمستشفى السلطاني، تلك المؤسسة المرموقة والتي تعد جوهرة التاج في القطاع الصحي؛ حيث تعرفت عن قرب على هذا النوع من الأطباء والممرضين المخلصين، الذين يسعون جاهدين لمد يد العون وتقديم الرعاية الكافية لمرضاهم، هؤلاء الذين يرمون همومهم ومشاكلهم خلف الباب ويدخلون بثوب التفاني والعمل، هم الذين يبعثون الأمل في نفوس أفقدها الألم أي بصيص نور، وظلوا يرون الحياة من جانبها المظلم.
إنهم بر الأمان لمن أجهده الإبحار دون أن يرى اليابسة، شعاع النور لمن وصل لمرحلة لا يعلم أي الطرق يسلك، ولا أي السبل هي الأنسب، هم أولئك الأشخاص الذين يطبطبون على جراح الآخرين متناسين جراحهم التي تنزف، لا أتحدث عن الكل، ولكنني على الأقل أود أن أقول: إن أصعب ما يمكن أن تعيشه بين غرف المستشفيات، سماع بكاء أحدهم من الألم، وصوت نحيب آخر لا يملك ما يفعله لتخفيف الألم عن قريب له، وترى دموعاً لا تتوقف ولساناً يلهج بالدعاء، وكتاب الله بين أيدي الكثير منهم، وكل هؤلاء لا يحتاجون إلا لطبيب يواسي همومهم قبل تضميد جراحهم، الكلمة المطمئنة خير من كلمة تزيد من أوجاعهم.
فكل الشكر لأطباء عُمان قاطبة، والأطقم الطبية والإدارية، المُجاهدين في سبيل أن ينعم كل إنسان بالصحة والعافية، والشكر والتقدير خاصة لمنتسبي المستشفى السلطاني، اللآلئ المضيئة في صرح الصحة العمانية.