وقود المستقبل

حاتم الطائي

◄ عُمان تتجه نحو التحول في نموذج إنتاج الطاقة بفضل الإمكانيات الواعدة

◄ الطاقة النظيفة تساعد في الحد من التداعيات الكارثية للاحتباس الحراري

◄ تعزيز أمن الطاقة بمقدمة النتائج المتحققة من إنتاج الهيدروجين

الإعلان عن تأسيس التحالف الوطني للهيدروجين بمُشاركة كبرى المؤسسات الحكومية والخاصة في الدولة، يفتح الباب أمام نقلة نوعية في قطاع إنتاج الطاقة وتسويقها؛ بل ويدعم التحول في نموذج إنتاج الطاقة بفضل الإمكانيات الواعدة، فضلًا عن تعزيز خطط الاقتصاد الأخضر، ودفع الجهود الرامية لتقليل الاعتماد على الوقود الأحفوري والطاقات غير المُتجددة، إلى جانب زيادة حصيلة الدولة من الإيرادات غير النفطية، مع بدء تسويق وبيع مُنتجات طاقة الهيدروجين، والتي لا نبالغ إن قلنا إنِّها وقود المستقبل.

فالمستقبل المشرق الذي نطمح له مرتكزين على رؤيتنا الوطنية "عمان 2040"، يُتيح المجال أمام كل الشركات والخبرات لكي تساهم في إدارة التحول نحو إنتاج الطاقة المتجددة، مستفيدين في ذلك من الإمكانيات الواعدة التي تزخر بها السلطنة، وتوافر المواد الخام، أو الموقع الجغرافي الداعم لكهذا إنتاج من الطاقة.

وهذا الاهتمام المُتزايد بإنتاج الطاقة البديلة والمتجددة في السلطنة، إنما يُبرهن على التوجه الرشيد للحكومة في الحد من استخدام أنواع الطاقة الملوثة للبيئة والمتسبب الأول في الاحتباس الحراري، ولقد شاهدنا خلال الأسابيع والأيام الماضية تأثيرات الاحتباس الحراري على كوكبنا، فالحرائق التي عمَّت أنحاء متفرقة من اليونان وتركيا والجزائر وإيطاليا فضلاً عن اشتعالها في واحدة من أكثر المناطق برودة في روسيا وسيبيريا، وغيرها من المناطق والبلدان. كل ذلك يستدعي على الفور من الجميع القيام بمسؤولياته تجاه حماية البيئة، ونظرًا لأنَّ السلطنة ذات باع كبير في هذا المضمار، فقد كان القرار الإسراع نحو استخدامات الطاقة البديلة، للاستفادة من كافة المنافع المتحققة.

وانطلاق السلطنة نحو هذا النوع من الطاقات المُتجددة، يعزز من مكانتها الدولية وإسهاماتها في حماية البيئة، وأيضًا يحقق الربح المادي المأمول، في ظل حرص كبار المستثمرين في أوروبا وأستراليا- على سبيل المثال لا الحصر- على شراء الكميات المنتجة من هذه الطاقة، ما يعني أن عُمان ستكون مصدرًا مُؤثرا لطاقة الهيدروجين النظيف.

وعندما ندرس طبيعة التحالف الذي أُعلن عنه قبل أيام، يتضح لنا عدة نقاط؛ أولها أن هذا التحالف يضم هيئات حكومية ومشغلي النفط والغاز ومؤسسات تعليمية وبحثية وموانئ، الأمر الذي يُشير إلى التكاملية بين جميع الأطراف، بما يُساعد على تسهيل عملية الإنتاج والتصدير، فضلاً عن قدرة هذا التحالف على جذب الاستثمارات، المحلية والأجنبية، وتوطين التقنيات الحديثة، وسن أفضل السياسات والمُمارسات، اعتمادًا على ما يزخر به هذا التحالف من خبرات وإمكانيات، لاسيما في ظل وجود شركة تنمية نفط عُمان في هذا التحالف، بما يعكس الرغبة الحقيقية لدى الحكومة في دعم هذا التوجه؛ فدخول شركة عملاقة في مجال الطاقة مثل تنمية نفط عُمان، من شأنه أن يحقق أفضل النتائج، من حيث مُمارسات العمل والإنتاج والإدارة.

أمر آخر لا ينبغي أن نغفل عنه ونحن نتابع مثل هذه الأنباء السارة، أن التحالف الوطني للهيدروجين، سيعمل على تعزيز أمن الطاقة، وهذا مصطلح مُهم وينبغي علينا جميعًا أن نُدرك أبعاده؛ ففي ظل التصارع الحاصل على مصادر الطاقة، إلى جانب التطور المتسارع في تقنيات إنتاج الطاقة (الرياح- الشمس- النووي)، فإنَّ تأمين إنتاج الطاقة محليًا يساعد على الحفاظ على أمن الطاقة، وبمعنى أوضح: استقلالية الحصول على مصادرنا من الطاقة، فلا نكون تحت رحمة الأسعار الدولية وتقلباتها، فضلاً عن تحقيق التقدم المأمول في زيادة الإنتاج المحلي وتخزينه وتصديره.

ومثل هذا التحول نحو الطاقة المُتجددة، يزيد من رسوخ مكانة السلطنة في أسواق الطاقة العالمية، بالتوازي مع توجه كبرى الدول الصناعية والاقتصادات العالمية نحو الطاقة النظيفة، وأضربُ هنا مثالًا بالصين التي تُخطط في غضون 9 سنوات فقط أن تعمل مليون مركبة بخلايا وقود الهيدروجين، وهذا تحول غير مسبوق في استخدامات الطاقة النظيفة، فالصين في طليعة الدول التي يستخدم سكانها السيارات الكهربائية، ففي العام الماضي فقط باعت الصين 1.2 مليون سيارة كهربائية، فيما تبلغ نسبة السيارات الكهربائية من إجمالي السيارات المُباعة في الصين أكثر من 8%.

وختامًا.. تتواصل الجهود الحكومية نحو بناء منظومة متكاملة للاقتصاد الأخضر، مواكبة للتطورات العالمية، واستفادةً من الآفاق الواعدة والموارد المتحققة منها، ومع الإعلان عن التحالف الوطني للهيدروجين نكون قد قطعنا شوطًا كبيرًا على طريق التقدم في مجال إنتاج الطاقة النظيفة الخالية من الكربون، ولذلك فإنني أدعو الشركات التكنولوجية الناشئة للانخراط في هذا القطاع الجديد، والاستفادة من الفرص المُتاحة فيه؛ إذ لا شك أنَّه يمثل بوابة كبيرة نحو الاقتصاد الأخضر المُتجدد.