أ. د حيدر أحمد اللواتي **
نظامنا الشمسي لم يكن بدعاً من الأنظمة الكونية الأخرى، فقد نتج عن تكتل غبار نجوم سابقة أسميناه السديم الشمسي وتجمعت المادة المكونة لذلك الغبار ورافق ذلك انفجار لنجم عملاق مجاور ومع مرور ملايين السنين ازدادت كثافة الغبار وازدادت قوة الجاذبية وأدت إلى دوران السديم الشمسي حول مركزها، ونتج عن ذلك وعبر الزمن تشكلت شمسنا ويقدر ذلك بحوالي ٤.٦ مليار سنة.
لكن تكون الشمس لم يستهلك السديم الشمسي بأكمله، فمن بقايا هذا السديم تكونت الكواكب التي تدور حول الشمس، ومنها كرتنا الأرضية والتي يقدر عمرها بحوالي ٤.٤ مليار سنة.
لقد تشكلت كواكب المجموعة الشمسية نتيجة تجمع الكويكبات معاً نتيجة للجاذبية والتصادمات المستمرة أثناء دورانها حول الشمس وأدى ذلك إلى التحام هذه الكويكبات معًا لتكون أجساما ذات حجم أكبر، وتستمر هذه العملية لمئات لملايين السنين لتكون في نهاية المطاف كوكبا بحجم الأرض، ونظرا لأن المنطقة القريبة من الشمس كانت مرتفعة الحرارة فلم تسمح للغازات والجزيئات الخفيفة كالماء والميثان بالتجمع، ولذلك فقد تجمعت في تلك المنطقة المعادن الأثقل كالحديد والنيكل والسيليكا والألمونيوم لتكون الكواكب الصخرية، عطارد والزهرة والأرض والمريخ.
لقد أدت الاصطدامات المتتالية للكويكبات ووجود العناصر المشعة إلى ارتفاع درجات الحرارة بشكل كبير مما أدى إلى ذوبان الصخور والمعادن وبسبب اختلاف الكثافة تجمعت المعادن الأثقل كالحديد والنيكل في مركز الكرة الأرضية بينما باقي المعادن الأخف كالسيليكون طفت على السطح.
إن ما يدفعنا للقول بأنَّ الأرض وبقية الكواكب التابعة للنظام الشمسي تكونت من نفس السديم الشمسي هو أن دوران هذه الكواكب والشمس هو في اتجاه واحد ولا يوجد سبب فيزيائي يفسر لنا هذه الظاهرة إلا بفرض أن هذه الكواكب والشمس تكونت من نفس السديم الذي كان يدور حول مركزه بسبب الجاذبية.
لقد قدمت لنا عمليات الرصد الكوني بواسطة المناظير العملاقة كهابل مثلاً صورا واضحة وجلية حول كيفية تكون النجوم والكواكب، فباستخدام هذه المناظير يمكننا أن ننظر بعمق في السحب الفضائية ونرى نجوماً جديدة تتشكل في كل مكان بعضها محاط بالغبار الفضائي الذي سيشكل الكواكب، فمثلاً هناك نجم قريب نسبياً من المجموعة الشمسية يدعى (هـ. ل. تاوري) هذا النجم تكون قبل ملايين السنين وهو محاط بالغاز والغبار وهناك فراغات واضحة في وسط تجمع كثيف للغبار والغاز ومن المتوقع أن تزيد كثافة هذه الأغبرة والغازات لتشكل كواكب جديدة وقد افترض العلماء أن نظامنا الشمسي قد تكون بصورة مماثلة.
إن تقدير عمر الأرض مبني على تحاليل كيميائية دقيقة إذ تم ذلك من خلال تحليل عينات لصخور في غرب إستراليا تحتوي على بلورات لعنصر الزركونيوم وبداخلها كميات من اليورانيوم المشع وتم تقدير عمر هذه الصخور بـ ٤.٤ بليون سنة وبدقة بلغت ٩٩٪ وهي أقدم صخور تم رصدها إلى يومنا الحالي.
أما أقدم آثار للحياة على وجه الكرة الأرضية فقد تم رصدها على ساحل جريندلاند إذ تم الحصول على آثار لبقايا كائنات وحيدة الخلايا وتم تقدير عمر ها بـ ٣.٨ بليون سنة.
هذه قصة الكون كما سطرها العلم الحديث (باقتضاب شديد)، وهي قصة قائمة على محاولة تفسير الوقائع والأحداث بناء على عدد من الحقائق العلمية التي تم رصدها، لكنها ليست قصة ثابتة، بل متغيرة فكلما انكشفت لنا حقائق جديدة يمكن لتلك الحقائق أن تغير هذه القصة ولربما بعض تلك الحقائق ستجبرنا على إصدار نسخة جديدة من القصة، وبمعالم مختلفة، لكن الجميل بهذه القصة أنها كونية بحق لأنها كتبت ونقشت وفق منهج آمن به الجميع وآمن بمصداقيته إنها علوم الطبيعة القائمة على الفرض والتجربة والرصد، فهذه العلوم لم تتفضل علينا بالرفاهية التي نعيشها فحسب بل أثارت عقولنا وأشبعت جزءًا من فضولنا حول تاريخ هذا الكون ونشأته، إنها بحق علوم العصر يا سادة.
*************************
المصدر:
- علماء الفلك يرصدون مجرة عملاقة هي الأقدم إلى الآن في تاريخ الكون، مجلة العلوم الأمريكية ١١ يونيو ٢٠٢٠.
- https://www.scientificamerican.com/arabic/articles/features/astronomers-get-earliest-ever-glimpse-of-ancient-giant-galaxy/
- Origin of Life: What Everyone Needs to Know, David W. Deamer
**********
لقد اكتشفنا أخيرا أن الماضي السحيق كتب ونقش على جدران هذا الكون، وأن الكون تعلم الكتابة والنقش في أولى لحظات حياته، تلك اللحظات التي لم تسبقها لحظات. في سلسلة من المقالات، نُلقي الضوء على قصة نشأة الكون كما توصلنا إليها عبر علوم الطبيعة.
** كلية العلوم، جامعة السلطان قابوس