ظفار بين النشطاء والرعاة... هل تتعافى الأرض؟

علي بن سالم كفيتان

كعادتي لا أجد حرجًا في طرح قضايا مُلحة بدأت تتفاعل على مسرح الواقع، ولا أخفيكم كون خلفيتي البيئية وطبيعة تربيتي كراعٍ من جبال ظفار تُحتِّم عليَّ الموازنة في الطرح، بحيث يتم احتواء المخاوف المُتصاعدة من تدهور البيئة في جبال ظفار، وبين توجسات الرعاة، ووضع ذلك في عين الاعتبار، رغم أنَّ المعادلة أصبحت صعبة في ظل عدم نجاعة السياسات الحكومية المتبعة في هذا الشأن.

ما نشاهده اليوم من صحوة بيئية لدى جيل الشباب هو مفتاح الحل حسب اعتقادنا؛ فالمجتمعات تمثل صمام الأمان عند إخفاق السياسات، ولعله مما يثلج الصدر قيام فرق عمل طوعية ليس لها هدف سوى إعادة الثوب الأخضر الجميل إلى جبال ظفار... هناك اليوم مجموعات من شباب يقومون بتشتيل الأشجار وزراعتها بعيدًا عن المؤسسات المعنية وعن ضجيج الإعلام... وهناك اليوم مشاريع مكتملة لإنشاء جمعيات بيئية تقبع في أدراج وزارة التنمية الاجتماعية دون حراك، وهناك رجال يكافحون بصمت الأشجار الغازية مثل المسكيت في معركة لا تنتهي، ويقومون بتجريب كل الخيارات، مُعتمدين على جهودهم الذاتية، وأصبح ذلك نشاطهم اليومي، فحرروا آلاف الهكتارات في حمران ورزات وإتين وغيرها، كل ذلك وغيره يتفاعل اليوم في ظفار؛ فالناس باتت تعي الكارثة القادمة وهذا هو الأهم.    

يجب أن نستثمر هذا الحراك الشعبي والمسؤولية الاجتماعية الناشئة عبر تشجيع المسؤولية الفردية تجاه حماية البيئة؛ كونها جزءًا من المستقبل المشرق للأجيال القادمة، وعدم محاصرتها بالنصوص التي لم تفضِ إلى نتيجة طوال 50 عاماً.. فقانون المراعي والغابات وإدارة الثروة الحيوانية موضوع على الرف منذ 2003، وعند السؤال يقال إنه يجري إعادة النظر فيه عبر القنوات الرسمية (مجلسا الشورى والدولة ووزارة العدل والشؤون القانونية)، وحتى تتم تلك الدورة يجب على الجميع الانتظار، فلا حلول لمكافحة التصحر، ولا حلول لإدارة الثروة الحيوانية، وفي ذات الوقت يتم التضييق على إشهار الجمعيات الأهلية التي تتبنى العمل البيئي فعليها أن تمر في مخاض عسير حتى يتم إشهارها، هذا إن حصلت على حق الإشهار. ونعتقد أن هناك فهمًا خاطئاً لطبيعة الجمعيات الأهلية؛ فليس بالضرورة أن نحصر الجهد البيئي كاملاً في جمعية واحدة وإنشاء فروع لها في المحافظات، فهذه حمى انتقلت من دواليب الحكومة لتُفرض على الجمعيات للأسف. وسبق لنا تجريب ذلك؛ فجمعية البيئة العمانية لم تستطع الصمود في تشغيل فرعها بظفار، ولذلك تم إغلاقه مبكراً، واليوم يطالب آلاف الناشطين بإنشاء جمعية بيئية جديدة لا زالت تترقب النور.

يجب أن لا ننكر الحراك الذي تبنته هيئة البيئة ومبادرتها لزراعة 10 ملايين شجرة وتوفيرها لكميات كبيرة من بذور الأشجار المعمرة المهددة بخطر الإنقراض وتوزيعها على الناشطين لنثرها في الطبيعة، إضافة إلى جهود وزارة الثروة الزراعية والسمكية وموارد المياه لتوفير المعدات والمبيدات اللازمة لرش الجراد والحشرات الغازية، مثل حفار ساق التين والرمة. ومن خلال متابعتنا، هناك حوار خفي بين الرعاة والناشطين؛ إنه حوار الطبيعة.. حوار الصمت.. فالناشطون ينثرون البذور والرعاة يرقبون ذلك، ويدور حديث في مراكز الفرق وفي القرى عن جدوى ذلك النشاط، فالمعروف أن أي بادرة ستأتي عليها المواشي وتقلعها، لكن الأهم هو حديث الضمير الذي بدأ يدب في أرياف ظفار وباديتها، وهو كيف لهذه الأشجار العملاقة وتلك الغابات الكثيفة التي عاش عليها الآباء والأجداد، أن تختفي في جيلنا جيل المتعلمين وجيل النماء الاقتصادي والتطور التقني؟ هذه التساؤلات وغيرها هي التي حركت عشرات الناشطين لاستعادة بهاء وجمال ظفار مرة أخرى.

يُواجه الرعاة اليوم سياسات حكومية مُتعسفة، فهم يرون الدعم الحكومي هو الحل، بينما الجهات المعنية ترى أنها قدمت ما فيه الكفاية، وهناك اتهام متبادل حول التقصير الذي قاد لفقدان ما يربو على 70% من الأنظمة البيئية في ظفار، فعندما تنشأ شركات أعلاف تحسب كدعم للرعاة وتحصل على تسهيلات حكومية كبيرة، فتعمل على رفع الأسعار وإسقاط المنافسين المحتملين واحتكار السوق والضغط بعدم توفير الكميات الكافية من الأعلاف، كما حدث خلال الأسابيع الماضية، وعندما تُنشأ شركات الألبان تُحسب كدعم للمربين وتعفى من جميع الرسوم الحكومية، ومن ثم يتم تحديد أسعار منخفضة لقيمة الألبان لا تتناسب والجدوى الاقتصادية للمربي، وعندما تُنشأ شركات للحوم وتُمنح الأرض والبنية الأساسية والإعفاءات، وتُحسب أيضًا كدعم للرعاة ولحماية البيئة، ومن ثم تقوم باستيراد الحيوانات من الخارج!

الشباب والرعاة اتخذوا قرارًا حازمًا بعدم التعويل على الدعم الحكومي، الذي طال انتظاره، والسياسات الزراعية والبيئية المركونة في الأدراج، وبدأوا بالعمل على تشجير ظفار بسواعدهم، والبحث في آليات جديدة لإراحة المراعي من واقع المسؤولية المجتمعية.. فلنساعدهم على ذلك إذن!