عامة.. مجردة.. ملزمة

 

يوسف عوض العازمي

alzmi1969@

 

 

"خُذِ الْعَفْو وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ" (الأعراف: 199).

يعرّف أهل القانون، القاعدة القانونية بأنَّها عامة ومجردة وملزمة؛ حيث تطبق على الكل مُجردة من التأثر، وملزمة بعقوبة لمن يخالفها، وأن درجات التقاضي كلية واستئناف وتمييز (1)؛ أي أننا أمام قواعد ثابتة ودرجات معروفة، ومسلّم بها ولا غبار على ذلك.

والأمور المسلم بها كثيرة، من كل نواحي الحياة سواء سياسية أم اجتماعية أو حتى ما نتعامل معه في حياتنا اليومية، ودائمًا عند رجل الشارع البسيط أوحتى من يحمل مؤهلًا علميًا أوأيًا كان وضعه، الكل يتفق على التسليم بنزاهة القضاء وأمانة الدولة (أي دولة)  في التعامل مع المسلمات، وهذا ديدن الناس في كل البقاع، مهما تم الانتقاد أوالاتهام، تبقى الدولة بمفهومها الشامل هي الملاذ والمكان الآمن، ويختلف الوضع إزاء الأوضاع بين دولة وأخرى، لكني أتحدث عن الغالبية.

وما دمنا في سير الحديث عن المسلمات وقبلها إرث القاعدة القانونية وسلم درجات التقاضي، سأذهب إلى عدة مفاهيم نمارسها في حياتنا، وفي تعاملاتنا، وأبحث في قضايانا نحن العامة من الناس، هل لوكان كل إنسان يضع أمامه قواعد أخلاقية  وقانونية صارمة يكون جاداً في تنفيذها سنرى هذا العدد الكبير من القضايا والمشاكل والجرائم؟

يقول الشاعر الكويتي سليمان الهويدي رحمه الله:

لوتنصف الناس ما نحتاج للقاضي

تلقى المحاكم خفيفات مشاكلها

باعتقادي الخاص أن تطبيق القانون هو قاعدة أخلاقية تبدأ من الفرد نفسه، تخيل لو كل إنسان يطبق القانون ويتعامل بخلق حسن وفضل ومعروف مع الكل، ما الذي سيحدث؟ بالتأكيد ستخف القضايا بالمحاكم إلى أكثر من النصف؛ بل إن كثيرًا من مكاتب المحاماة ستغلق أبوابها. ولذا أتساءلُ دائمًا: لماذا يذهب بعض الناس للمشاكل بأنفسهم؟

هناك مثل شعبي دارج ذو معنى وهو: اعتزل ما يؤذيك، ما دام هذا الباب سيحرجك بموقف ما أو قد تتعرض لما قد يفقدك أعصابك وبعدها قد يتطور الأمر وتكون زبوناً للمحاكم وليتها على المحاكم فقط؛ بل قد تكون أحد نزلاء الجناح رقم كذا بالمستشفى الفلاني، أو من نزلاء عنبر رقم كذا بالسجن!

يقول الشاعر عيد بن مربح رحمه الله:

مجلس ما يقدر جيتك لا تجيه

خل بينك وبينه برزخ الاعتزال

الأماكن التي لا ترتاح بها ليس ضروريًا الذهاب إليها؛ إذ لن تعيش إلا مرة واحدة، كل لحظة من حياتك لها ثمن، ثمن وقتك وأعطه حقه من التثمين، وتذكر أنك لن تنال محبة كل الناس، ولن ترضي كل الناس، ولن يراك الناس بالشكل الذي تحب، هذه طبيعة الناس لا جديد في ذلك، انظر إلى الناس في الشوارع كل شخص وراءه قصة، حكاية، مُعاناة، حزن، ألم، فرح، مأساة، تراجيديا، كوميديا، دراما، لا تضع نفسك في ضيق الأمر، بينما الأمر في سعة، صدقني أن من نعمة الله عليك أنك لا تعلم متى تموت، ومتى رزقك، صدقني هذه نعمة ونعمة كبيرة أيضًا.

حتى الأمور العامة كالسياسة مثلاً؛ ففي السياسة ليس كل ما يُعرف يُقال، وليس كل ما يتفق عليه معروض للعامة، وما وراء الأبواب المغلقة أكثر بكثير مما هو أمامها، وما تحت الطاولة قد يكون هو الأصل، وما فوق الطاولة هو الاستثناء، السياسة هي قيادة دول قيادة مجتمعات بها أسرار وقصص واتفاقات وليس كل شيء من الممكن إعلانه، الأمر ليس لعبة أو مباراة كرة قدم، بل إن أردتها لعبة فأقرب تشبيه لها أنها لعبة "شد الحبل"!

لذلك على الإنسان البسيط أن يعي هذا تمامًا، ولا ينجرف وراء مانشيتات غير واضحة، أو صور غير كاملة، أو أقوال مرسلة لا سند حقيقي لها، ولا يتأثر بوسائل التواصل الاجتماعي والإشاعات المغرضة التي قد تكون مدفوعة الثمن لتمرير قناعات معينة قد يكون ظاهرها الرحمة وباطنها العذاب، ويقول الشاعر العراقي معروف الرصافي في أحد أبلغ الأبيات:

لا يخدعنك هتاف القوم بالعلن

فالقوم بالسر غير القوم بالعلن

صدقني أكبر خدمة تقدمها لوطنك كمواطن صالح هو أن تهتم بنفسك وتتعامل بأمانة ونزاهة مع أسرتك والأقرباء وحتى في تعاملك مع الناس، وأن تتقن عملك، وإن أردت شيئاً فاسلك السير القانوني، والحافظ هو الله، صحيح الدنيا لا تخلو من الابتلاءات لكن اعمل ماعليك واترك الباقي على من لاتنام عينه، لا أحرض على السلبية ولا على الخوف، لكن أشدد على الوعي بما يدور وألا يكون الإنسان مطية لأحزاب وحركات وعناصر لايعرف أولها من آخرها، خاصة من وسائل تنشر حقائق غير كاملة، وأخبارا ذات مغزى بها أضرار للوطن، ولتعلم أن آفة العمل العام سواء سياسيا أو اجتماعيا أو غيره هو الذين يبكون مع الراعي ويأكلون مع الذئب.. فأحذرهم.

حتى المبادرات أو التحركات التي تكون لهدف ما خدمي أو اجتماعي أو ثقافي أو حتى سياسي أو أي شيء فيه خدمة عامة، من المهم أن تكون في العلن ووفق الأنظمة؛ فالمصلحة العامة ليست حكرًا على أُناس مُعينين؛ بل تهم كل مواطن.

 

*******

  1. كما هو بالنظام القضائي المعمول به في دولة الكويت.