لبنان.. بين خيارات الجوع والحرب الأهلية

 

علي بن مسعود المعشني

ali95312606@gmail.com

في علم الاستخبارات هناك العميل النوعي والعملاء المتعددون، والعميل النوعي هو العميل ذو المصادر المتعددة والمعلومات الموثوقة لمكانته الرسمية والاجتماعية وتشعب علاقاته ونفوذه، لهذا يُمكن أن يُغني العميل النوعي الواحد عن تجنيد المئات وربما الآلاف من العملاء.

وفي الوطن العربي تبيَّن للغرب أنَّ زراعة عميل نوعي واحد في قلب الأمة العربية والمتمثل بالكيان الصهيوني الغاصب كفيل بتحقيق جميع أهدافه ومراميه لديمومة الشتات والتبعية والدولة الوظيفية التي أنتجتها اتفاقية "سايكس- بيكو" ووعد بلفور. خطورة هذا العميل النوعي- المُسمى بـ"إسرائيل"- ومشروعه لا تكمن في احتلاله لأرض عربية وتسويقه من قبل صانعيه بالطرف الطبيعي في الجسد العربي عبر ما يُسمى بـ"التطبيع" فحسب؛ بل في تمكينه من قيادة المشهد الإقليمي ورسم واقع الأمة العربية وتعطيل ومحاربة أي مشروع نهضوي لها أو نموذج عربي آحادي أو ثنائي أو إقليمي يمكن أن يُنتج القدوة ويعزز الثقة بالنفس ويُعيد الروح لهذه الأمة العظيمة.

نحن العرب ومنذ غرس هذا الكيان اللقيط في جسد الأمة عام 1948 والاعتراف الدولي به عام 1949، تعاملنا معه في الغالب كمحتل وغاصب ولم نعِ أو نُدرك صفته الحقيقية كعميل نوعي للغرب لإعاقة الأمة من التقدم والنهوض الكلي أو الجزئي بل وحتى الأحادي؛ بل ولم يسلم حتى الأفراد من النوابغ العرب من تصفياته واغتيالاته، لهذا السبب وبفقدنا لتوصيفه الحقيقي فقدنا كذلك وسائل مُقاومته ومواجهة مخططات رعاته.

الغريب والمشكلة أن هذا العميل النوعي والمسمى بـ"إسرائيل" ليس فردًا ولا جماعة ولا مؤسسة ولا قاعدة عسكرية ولا مركز تجسس؛ بل منظومة دولة متكاملة المؤسسات والقدرات المادية والبشرية والمعنوية، منظومة تحظى بكل الدعم والرعاية والعناية من الغرب بعمومه؛ بل ومحور استراتيجيات ومخططات وسياسات الغرب في المنطقة العربية ومن خلالها دوائر جغرافيات العالم بأسره.

المتابع لجميع الأحداث والحروب والمؤامرات في الوطن العربي منذ عام قيام هذا الكيان الغاصب سيجد البوصلة تتجه له في المسؤولية والمصلحة الكاملة، فجميع تلك الأحداث من وجهة نظر الغرب ومخططاته يجب أن تصب في صالح ما يُسمى بـ"إسرائيل"، بقصد جعل الأمة بعقولها وقلوبها تهفو إلى هذا الكيان اللقيط وتهرول نحوه لكسب وده ورضاه والإقرار به كقضاء وقدر!!

بينما الأحرار والشرفاء يتبين ويتكشف لهم في كل يوم الدور الوظيفي الكبير لهذا العميل النوعي في تمزيق الأمة وجلب الويلات لها وتموضعه وحضوره حتى في أدق تفاصيلها عبر الغرب ومؤسساته العميقة وسياساته تجاه المنطقة.

لبنان اليوم أحدث ضحايا هذا العميل النوعي؛ فهو يُواجه خيارين لا ثالث لهما، أما الحرب الأهلية عبر ثقافة المحاصصة ووكلائها أو الموت جوعاً عبر العبث بمعيشة المواطنين وانهيار العملة والغلاء الفاحش للسلع الاستهلاكية إضافة إلى حصار تداول العملة وحرية تنقل الأموال والتضييق على سحب المواطنين لمدخراتهم في المصارف بذرائع لا تنتهي ومنع المعونات عنه.

لبنان العزيز لم يعد اليوم نُزهة للصهاينة وكما كان الحال إلى عام اجتياحه 1982؛ بل مصدر رعب وردع لهذا الكيان ومحطم أحلام المخططات الغربية على الأمة العربية، فلبنان اليوم هو القلب وهو الخندق الأول والفيصل بين ديمومة الكيان ونهوض الأمة وتحرير فلسطين، هكذا يقرأ العارفون التاريخ وسياقاته ومساره الطبيعي، وما هذه البلطجة واللعبة القذرة التي تمارسها أمريكا والغرب بحق لبنان اليوم إلا الفصل الأخير والبائس لقتل لبنان والعودة به والأمة العربية من خلاله لاحقًا إلى حظيرة المسكنة والتطبيع والتفريط بكل مفردات القوة والعزة والكرامة والتي يدركها خصوم لبنان وأعداء الأمة العربية ولا يُدركها غالبية العرب ولا يُحسنون قراءتها واستنطاقها. فما يُراد بلبنان وللبنان اليوم هو رفع الراية البيضاء والتخلي عن نموذج الكرامة المُقاوم ونموذج القدوة في التآخي والتعايش والإشعاع المعرفي والنضالي والتحول إلى شعب ودولة من الزواحف تبحث عن لقمة العيش وكسرة الخبز فقط وتُسبح بحمد أمريكا!!

قبل اللقاء.. الصراع اليوم في لبنان وعليه هو صراع الشرف والعلف وسينتصر الشرف بلا شك.

وبالشكر تدوم النعم.