من قمة العلا الخليجية إلى قمة نيوم السعودية العمانية.. قراءة تحليلية

حمد الرحبي

لا شك أنَّ فهم وقراءة الأحداث والمواقف الإقليمية والدولية وتحليليها يساهم في فهم النتائج واستشراف المستقبل فالسياسة من يُتقن فهم قواعدها يُتقن فهم نتائجها؛ فهي للأسف أزماتٌ بلا حدود، وخيارات بلا قيود، ومصالح بلا عهود؛ من هذا السرد النظري في علم العلاقات الدولية سنُحاول تفسير وتحليل المواقف والأحداث بدءًا من قمة العلا الخليجية التي  تمت في 4 يناير 2021م، هي تاريخية ومهمة في نفس الوقت وساهمت في إنقاذ ما تبقى من البيت الخليجي من الرياح العاتية التي عصفت به إلى قمة نيوم السعودية العُمانية التي تمت في 11 يوليو 2021م، والتي حددت الوجهة والبوصلة لدول الخليج في التعاطي من مختلف القضايا على الساحة الدولية.

بداية إن قمة العلا الخليجية مهدت الطريق لتغيير الكثير من الاتجاهات والآراء والمواقف التي كانت حتمية التغيير وحتمية المصير أيضًا؛ فالتصالح بين الدولتين الشقيقتين السعودية وقطر جاء في فترة هما بحاجة إلى بعضهما أكثر من أي وقت مضى خاصة بعد خسارة ترامب بما يمثله من الحزب الجمهوري وفوز بايدن وما يمثله من الحزب الديمقراطي فطرق التعاطي الجيوسياسية قد تتفق وقد تختلف وقد تتقاطع بين الحزبين ويؤثر نمط وأسلوب واتجاهات السياسة لكل منهما على دول العالم وبلا شك على مشكلات ودول الشرق الأوسط بكل تأكيد.

 هذا من جهة ومن جهة أخرى إن قمة العلا مهدت الطريق لتغيير الاتجاه للأزمة اليمنية من الحل العسكري الصرف إلى الحل السياسي المرن خاصة بعد قيام الجانب الحوثي باستهداف المملكة في العمق بطائرات مسيرة والتي بلا شك تهدد أمنها واستقرارها، وكذلك فتح أبواب الحوار من إيران للتحاور والتفاهم من خلال عدة قنوات كانت أبرزها عن طريق العراق وغيرها من الدول ولكن هذه القنوات لم تؤتِ ثمارها كما كان متوقع منها.

كل هذه الأحداث التي سردناها لك عزيزي القارئ باختصار أوجدت الأسباب الملحة لعقد قمة نيون بين الجانب السعودي والعماني خاصة أنه كان قبيل عقد القمة حراك دبلوماسي نشط فيما يتعلَّق بالملف اليمني تمثل في زيارة وفد من المكتب السلطاني إلى اليمن ولقائه قيادات من الجانبين الحوثي والحكومة الشرعية وتوصيل رسائل جدية وصارمة للجانبين بأهمية وقف إطلاق النار والانخراط في الحل السياسي السلمي وفتح قنوات للحوار الجاد بين الطرفين وكذلك زيارة كل من وزير الخارجية الإيراني جواد ظريف  ومبعوث الأمم المتحدة لليمن وعقدهما لعدد من اللقاءات سواء كان مع المسؤولين العمانيين أو بعض القيادات اليمنية في مسقط .

وكل هذه الأحداث أيضاً دعت الرياض إلى اختيار مسقط كشريك استراتيجي في المنطقة ووسيط محايد للحوار كما اختارت الولايات المتحدة الأمريكية في عام 2015م أيضًا مسقط كوسيط محايد وموثوق به للحوار مع إيران خاصة كما يتسرب الآن أن محادثات فينا بين إيران ودول خمسة زايد واحد تمر بصعوبات وفي مراحل متعثرة نوعًا ما فيما يتعلق بالبرنامج النووي الإيراني والملف الصاروخي خاصة بعد قدوم الرئيس الإيراني الجديد إبراهيم رئيسي وتجربة إيران مع الرئيس ترامب بعد انسحابه من الاتفاق النووي السابق كل ذلك يصعب الأمر ويقلل من فرص النجاح ويفرض وجود ضمانات عادلة لعدم الانسحاب من الاتفاق مرة أخرى وإصرار الدول الأخرى إلى تضمين الملف الصاروخي من ضمن الملف النووي الإيراني لبلورة اتفاق شامل في هذا الجانب ولا استبعد أن يتم ذلك بعيدًا عن مسقط موقفها الحيادي الموثوق به من الطرفين.

إنَّ قمة نيوم التاريخية جاءت في ظروف إقليمية وفترة زمنية تفرض على الرياض ومسقط تحقيق التعاون والتواصل بشكل أكبر من أي وقت مضى فالمملكة بحاجة إلى السلطنة في ملفات كثيرة مثل الملف اليمني والملف الإيراني وكذلك السلطنة بحاجة إلى المملكة في تعزيز شراكاتها الاقتصادية للأسباب التي نعلمها جميعًا وما عقد القمة في مدينة نيوم الواعدة باستثماراتها ومشاريعها الاقتصادية إلا دليل قاطع على توجه كل من المملكة والسلطنة إلى الشراكة الاقتصادية وفتح الاستثمارات خاصة بين مدينة نيوم السعودية ومدينة الدقم العُمانية فكلا المدينتين بحاجة إلى ربط مباشر بينهما وإلى شراكة اقتصادية في مجال الصناعات والاستثمارات وتعزيز التبادل التجاري والصادرات بينهما ولعل طريق الربع الخالي بين البلدين الذي لم يعد خالياً بعد اليوم وسيساهم بلا شك تعزيز هذا الربط الاقتصادي المباشر بين البلدين الشقيقين ووجود مجلس تنسيق مشترك بين البلدين الذي أعتقد سيكون له دور اقتصادي وتجاري واستثماري أكثر من كونه سياسياً بحكم وجود مظلة سياسية أكبر وهي مجلس التعاون الخليجي بين البلدين ودول الخليج العربي الأخرى.

وختامًا نقول بأنَّ المستقبل مشرق بإذن الله تعالى لعمان وأهلها بقيادة السلطان هيثم بن طارق حفظه الله فهو يتقن فن السياسة والاقتصاد جيدًا ويكفي أنه تتلمذ على يدي السلطان الراحل طيب الله ثراه.

د. حمد بن سعيد بن سليمان الرحبي

Oman99433@gmail.com

 

تعليق عبر الفيس بوك