مطلوب تمكين الشباب لا تشغيلهم

علي بن مسعود المعشني

ali95312606@gmail.com

الموارد البشرية هي الثروة الحقيقية للمجتمعات والدول، فهي الفئة القادرة على استخراج وإدارة الثروات الطبيعية، وإدارة مرافق الدولة، ومواكبة أطوارها وتلبية حاجاتها المتجددة على الدوام. لهذا نسمع اليوم عن استثمار الموارد البشرية بدلاً عن إدارتها أو تنميتها، فالاستثمار في الموارد البشرية أبلغ وأقصى غايات الدول الحيوية اليوم للظفر بالتطور والرقي والنهوض ومواكبة العصر.

لم يعد خافيًا على أحد اليوم الصراع الدولي على استقطاب الموارد البشرية واستثمارها في أجندات الدول الكبرى والتي تسعى من وراء افتعال الأزمات والحروب والبؤس والفقر على تهجير الفئات النوعية من بلدانها، واستقطابها كعقول نادرة وضرورية لاقتصادات الغرب ومؤسساته، وذلك عبر تطبيق نظرية الجذب والطرد، حيث تمثل الأوضاع السياسية والاقتصادية والمعيشية في أغلب دول جنوب الكرة الأرضية مناخات طاردة لأبنائها من مختلف الشرائح، وفي المقابل تمثل البلدان الغربية مناخات جاذبة ومغرية لتلك الشرائح من فئات العلماء والمتخصصين، بل وحتى طبقات العمال البسطاء كذلك والذين يتم استيعابهم في اقتصادات وهياكل بلدان الغرب والتي تُعاني مجتمعاتها من الشيخوخة، وأعراض الطرد من أعمال كثيرة سنويًا، المتواضعة في الدخول أو الخطرة أو التي  تشكل مثلب اجتماعي ولا يمكن شغلها إلا من قبل أبناء المهاجرين.

ونحن في سلطنتنا الحبيبة يمثل لنا التشغيل والإحلال والتعمين ثالوث قلق منذ سنوات وبدون حل جذري، وهذا الترحيل واجترار الحلول المُعلبة عظم من حجم المشكلة، وجعلها تراوح مكانها وستبقى طالما تعاملنا مع النتائج ولم نعالجها من جذورها. لاشك أن هاجس التشغيل هو الشغل الشاغل لنا، وكلما طفت على السطح موجات الباحثين عن عمل كان الحل الوحيد والجاهز هو المزيد من الإنفاق المالي، والتكديس الوظيفي وبالنتيجة استقطعت أموال مهمة للرواتب وعلى حساب أوجه التنمية وأولوياتها، وتكدست أعداد كبيرة من الموظفين وعلى حساب الإنتاجية وتحسين الأداء وجودة الخدمة.

حري بنا اليوم أن ندرك أن المعضلة تأتي في الأساس من عدم وجود قانون تقاعد مرن وسلس ومستمر وجاذب وعادل للموظفين في القطاعين العام والخاص والذي بموجبه يمكن خروج الموظفين الراغبين والمستحقين للتقاعد وخلق شواغر للباحثين عن عمل بسلاسة تامة، فحين يتوفر قانون بهذه السمات سيكون بالإمكان خلق فرص عمل آليا في كافة القطاعات دون الحاجة إلى تقاعد إجباري أو اختياري مؤقت أو تغيير للقانون بين حين وآخر تحت وطأة الظروف المالية، كما لن يكون هناك داع لمزاحمة المتقاعدين للباحثين عن عمل بالسعي للعمل مجددًا لجبر ضررهم المالي من قانون لم يراعٍ ظروفهم المعيشية والصحية، والتزاماتهم المالية تجاه أسرهم وتجاه مؤسسات الإقراض والتمويل، كما يمكن إحلال المتقاعدين بالوافدين في سوق العمل وفق العرض والطلب ولمن رغب منهم.

الأمر الثاني لتعاظم أعداد الباحثين عن عمل يعود إلى منظومة التعليم، وضيق هامش التخصصات وتكرارها في المؤسسات التعليمية العليا، وبالنتيجة حدة المنافسة على الوظائف وندرة فرص التوظيف، وهنا لا بُد لنا أن ندرك حجم ومخاطر مشكلة ضيق خيارات الطلاب من التخصصات العليا بالسلطنة وخارجها والتي سببت بطالة حقيقية دون وعي منا بذلك، كما لا يجب أن نغفل غياب التدريب بشقيه المقرون بالعمل أو التدريب المؤهل للباحث وفق مستواه التعليمي، وقدراته الاستيعابية ومهاراته، فبوجود التدريب المستمر لدفعات الباحثين عن عمل في مراكز ومعاهد تدريب المؤسسات المدنية والعسكرية والخاصة سنتمكن من تأهيل وتمكين الشباب للعمل، وتسليحهم بمهارات ترفع من مؤهلاتهم، وتعزز فرصهم للعمل في ريادة الأعمال أو المؤسسات الحكومية والخاصة، والتي تميل بطبيعة الحال إلى توظيف الشخص المتدرب والجاهز للعمل أكثر من الشخص النظري والذي لا يحمل سوى شهادة فقط.

المطلوب منِّا اليوم أكثر من أي وقت مضى فتح المعاهد ومراكز التدريب في القطاعات الحكومية والعسكرية والخاصة لتدريب مخرجات التعليم العام والعالي ومادون للحصول على مهارة عمل تمكنهم من ولوج سوق العمل بارتياح أو التفرغ لعمل خاص بمعرفة ودراية، وستشكل جرعات التعليم التقني والفني في مراحل التعليم العام والتي أقرت مؤخرًا رافدًا مهمًا لإخراج جيل من الشباب المٌشبع بثقافة سوق العمل، وثقافة ريادة الأعمال والعمل الحر أكثر من أي وقت مضى، وبهذا نستطيع توجيه مخرجات التدريب إلى الوظيفة التخصصية في أي من القطاعات دون عوائق، وتوجيه تلك المخرجات لتحل بدلا عن العمالة الوافدة بسلاسة وكفاءة ودون إخلال بمتطلبات السوق ومعايير الاقتصاد.

قبل اللقاء.. ذكرت منظمة الفكر العربي في تقرير لها عام 2008 أن عدد 480 ألف عالم عربي يعملون في كل من: أمريكا كندا أستراليا ونيوزيلندا فقط، وأغلبهم من مخرجات جامعات عربية. ولكم أن تتخيلوا عدد العلماء العرب في كل من: أوروبا وروسيا والصين وآسيا وأفريقيا وأمريكا الجنوبية والوطن العربي!! وفوق هذا يأتي من يقول بُعقم العقل العربي ومن لا يعترف بأجندات سرقة العقول واستقطابها.

وبالشكر تدوم النعم..