المسؤولية في أن تكون كاتبًا!!

 

راشد بن سباع الغافري

 

كتبتُ ذات مرّة أنّ قلم الكاتب قد يسبق رصاص الجندي في الدفاع عن حياض الوطن، ومازلت مؤمنًا بما كتبته وسأظل كذلك، فبعض أنواع الهجوم على الأوطان واستهدافها لا يتطلب راجمات ولا دبابات ولا أزيز الرصاصات، وإنما يمكن أن يكون بتسليط الإعلام والأقلام المأجورة على تلك الأوطان وذلك من خلال نشر الشائعات، وبث الفتن والأخبار المغلوطة والكاذبة، ولهذا كان من الضروري إعداد الكاتب والإعلامي لمُواجهة مثل هذه الهجمات إعدادًا يوازي ما يُبذل في إعداد الجندي المُقاتل في الميدان، فهذا النوع من الحروب يحتاج إلى مداد القلم وقوّة الكلمة وصفاء الفكر أكثر من أيّ شيء آخر.

أن تكون كاتبًا فهذا يعني أنك في الخط الأول للدفاع عن وطنك حتى قبل أن يُطلب من الجندي إطلاق رصاصته. أن تكون كاتبًا فهذا يعني أنك تحملت مسؤولية توجيه ووعيّ هذا المجتمع من خلال ما تكتب، وتحملت أمانة التثقيف له بتبصيره بما يُصلحه ليأتيه، وبما يضره ليرفضه ويلفظه ويبتعد عنه.

أن تكون كاتبًا فهذا يعني أن تقوم بدور حلقة الوصل بين مساعي الحكومة وتطلعات المجتمع، وتكون مرسال خير بكلماتك وأفكارك وما تطرحه على صفحتك وحساباتك، شارحًا وموضحًا ومبيّناً ومحللاً ومُوفِقاً لكثير من الأمور التي يحتاجك الطرفان للحديث عنها والكتابة فيها.

أن تكون كاتبًا فهذا يعني باختصار أنك ذهبت طوعاً لحَملِ رسالة الأمانة وتَحّمُّل أمانة الرسالة أمام الله والحكومة والمجتمع، وبهذا ستكون صفحتك الدنيويّة هي جزء من صحيفتك الأخرويّة، فقل واكتب فيها ما قد يسرك رؤيته يومًا، ويجعل أبناء وطنك يفتخرون بشخصك ويقتدون بأمثالك، ولتحذر من أن يُؤتى وطنك أو مُجتمعك من خلال صفحتك أو ما خطّت يمينك.

أن تكون كاتبًا فهذا يتطلب أحيانًا أن تكون في مُواجهة فَمِ المدفع عندما تقف موقفًا مُشرّفاً ضد المفسدين، أو حين تُمثل لسان المجتمع في مطالبته لمراجعة سياسات أو قوانين أو تشريعات مُعيّنة تحتاج إلى مراجعة من المسؤولين، أو حين تقف أحيانًا موقفًا وطنيًا رافضًا لظواهر مجتمعية سلبيّة قد تضرّ بهم أو بوطنهم، فتصبح كلمتك وقلمك المحب للوطن وأبنائه يواجه أحقاد المفسدين، وتعنّت بعض المسؤولين، واللامبالاة من بعض المواطنين.

أن تكون كاتبًا فأنت عُرضة للفهم الخاطئ لما تكتب، بدءًا من العنوان وحتى الختام؛ بل إنَّ البعض قد يتقصّد ذلك الفهم الخاطئ لما تكتبه، أو القيام متعمدًا بتحويره وحرفهِ عن مساره أو معناه الحقيقي ليُسيئ إليك ويُنفّر منك.

أن تكون كاتبًا قد يراك البعض مُطبِّلا تخدم أفكارًا معينة، ويراك آخرون معارضًا تهدف فقط لإثارة الرأي العام، ولربما وُجِد بينهم من قد يُطالب بحظرك وزجّك في متاهات، لتنشغل بهمّك بدلاً من انشاغلك بقوّة الكلمة المؤثرة التي يحتاجها الناس في واقعهم.

أن تكون كاتبًا قد يظن البعض أنك من الطبقة المخمليّة، أو من الطبقة الغنيّة، أو من الطبقة النّافِذة القريبة من صناع القرار، وهم لا يعلمون أنك تكافح وتكدح مثلهم من أجل لقمة العيش، وتتحمل في سبيل ذلك الكثير من الغمز واللمز بل والتهكّم أحيانًا، وأنت تُنهك قواك ويفنى عمرك لتصنع ذاتك بعزيمة لا تلين وإرادة ليس لها نظير.

أن تكون كاتبًا فهذا لا يعني فرض مذكراتك الشخصية لتقدمها للناس، ولا الميل بهم نحو النظرة العاطفية لكسب مشاعرهم وتعاطفهم، وإنما يُطلب منك أن تُمثل رأي المجتمع ونظرة الحكومة بكل حيادية، ولابد هنا من مصداقية الكلمة وأمانة الطّرح والحرص على المصلحة العامة، بحيث يكون رأيك عطاءً ونقدك بناءً.

أن تكون كاتبًا قد يصل بك الحال أحيانًا إلى أن تتمنى لو لم تكن كذلك، وترغب حقًا لو كنت في عِداد تلك المواهب أو المهن التي تلقى الدعم، وتحظى باستقبال الشخصيات المجتمعية المهمة، وتقام لها الأمسيات والحفلات، وتعقد معها اللقاءات والحوارات، وتسلط عليها أضواء الشهرة ووسائل الإعلام، بينما أنت تنزف فكرك ومداد قلمك ككاتب ولا تحظى بما يحظى به غيرك من حفاوة وتكريم رغم أهمية ما تقدم وبساطة ما يطرحون.

أن تكون كاتبًا يُفترض أن يعوّل عليك الشيء الكثير، وأن تكون رقمًا مهمًا في أيّ تخطيط مستقبلي للرقيّ بالوطن وأبناء الوطن، يفترض أن تُبنى لك المؤسسات الثقافية التي تحتضن قلمك، وترقى بفكرك، وتستفيد من عطاؤك، كما يفترض أن تعطى الأولويّة لصناعتك وإعدادك والنهوض بك، وإفساح المجال للاستلهام من تجربتك، لأنك رقم صعب في الفكر، ورمز مهم في مسيرة وطن وفي ثقافة مجتمع، وقبل كل شيء في الذوّد والدفاع عن ثرى هذه الأرض الطيبة.

فهلّا وعينا جميعًا ماذا يعني أن يكون ابن عُمان كاتبًا؟!

تعليق عبر الفيس بوك