أما آن لليل أن ينجلي!

 

سارة البريكية

Sara_albreiki@hotmail.com

 

مضت الأيام ببطء شديد والساعات ببطء أكبر والدقائق ثقال والثواني بحرقة شديدة، والليل يطول.. عبثًا أحاول إغماض عينيَّ، وعبثًا أحاول أن أنام، وعبثًا كل هذا وذاك؛ فلا النوم موافق أن يمر من هنا، ولا الليل يقبل أن ينجلي والهمّ يطول..

أحلامنا التي كنَّا نرسمها تلاشت وأيامنا التي كنَّا نرجوها غاب نورها في عتمة الليل الطويل، الحزن يعترينا.. والفرح غادرنا.. نلملم حقائب السفر، لكن المطار مُغلق والأبواب موصدة بإحكام شديد. ما هذه الدوامة التي نمر بها؟ ما هذا الليل القاتم؟ نبحث عن الابتسامة التي فارقتنا ولا نجدها، نمثّل السعادة كي نخبئ دمعاتنا المُتساقطة تباعًا، نمسح الدموع ونبتسم ونتظاهر بالقوة والشجاعة، ونحن عكس ذلك تمامًا، نقوي الآخرين بنا، ونحن ممزقون أشلاء أشلاء، حزنا حزنا، وجعا وجعا، فتاتا وأنينا، في العمل أو في المدرسة أو في اجتماع طارئ أو في المستشفى أو أي مكان يضج بالناس، يحدث هذا الأمر كثيرًا وأكثر أسبابه الخذلان، نحن نتعشم دائمًا عندما نفتح قلوبنا أكثر من اللازم لتأتي صفعة الأيام كبيرة لدرجة لا يمكننا تحملها، فنتوقف عن الحياة لفترة، وإن عدنا فإننا لا نعود كما كنَّا، لا أقوى ولا أضعف، لكن مُمزقين بطريقة بشعة وجرح في الصدر، وندبة عميقة لا شفاء لها.. كيف أنسى؟! كيف أنسى حبًا عاش في قلبي سنينًا؟ كيف لي أن أتجاوز هذه المرحلة؟ كيف لبعض الناس أن تكون قلوبهم متحجرة وبوحشية مُثيرة للشفقة؟!

يتبادر إلى ذهني الأمّ التي توفاها الله قبل مدة بسيطة بسبب كوفيد-19 وأولادها المتحجرين الذين رفضوا تغسيلها والصلاة عليها ودفنها، لا بل يقولون لمن تواصل معهم عندما تنتهوا من الدفن أعلمونا حتى نُقيم مراسم العزاء! فأيُ تحجر هذا؟ هذه الأم التي حملت وربت وتعبت، هل تجازى بأن تُدفن دون نظرة وداع؟ هل نخاف على أنفسنا إن كانت الراحلة بمقدار مقام الأم؟ أم هل هناك حرص على نفسي وقد رحلت من أنجبتني على هذه الأرض.. الحقيقة أن هذه القصة حدثت، ولكن وا أسفاه! وليستمر مسلسل الموت ومن كان خائفًا من والدته أن تنقل له المرض سيبتليه الله من حيث لا يعلم، فيا سبحان الله على هكذا نوع من النَّاس.

خذلان في خذلان يختلف نوعه وكمه ومقداره، وفي الجانب الآخر من يساومنا على كتمان ما نحس به أو ما يعترينا أو ما يعتمل جوارحنا أو مشاعرنا، ففي النهاية نحن بشر حالنا من حالكم، نحس ونحب ونحزن ونشتاق، وهذه الأحاسيس ليست بأيدينا، وإنما إن وُجدت فينا وفيكم وفيهم؛ فالرجاء كل الرجاء الوقوف مع أنفسكم، وعدم مضايقة الآخرين، أو التدخل في شؤونهم، أو التآمر عليهم بقول أو فعل؛ فلا تدري لعل الله يحدث بعد ذلك أمرا.

إنَّ أحلامنا المؤجلة وأمانينا التي غابت وأيامنا الحالكة السواد، وذكرياتنا السعيدة التي انطفت عندما انطفأ هذا الكون وتوقفت الحركة وحلَّت ساعة الحظر ومنع التجوال وكأننا في حرب لم نمر بها قبلاً؛ بل كنَّا نسمع عنها، ها نحن نعيش فصولها وأمواتنا الذين تسقط أساميهم من على شجرة المنتهى لا نعلم ربما نكون الاسم القادم فمن يدري!

مشاعرنا المختلطة وأحاسيسنا التي تختلجنا واحتضاراتنا التي تكوي قلوبنا والتي تمر بنا كل ليلة، وتجعلنا لا نستطيع النوم ستنتهي قريبًا، وسيطلع النور وستشرق السعادة بالأمل، وستنجلي هذه الغمة قريبًا، وسيُشفى الناس، وسيزول هذا الوباء وستنطلق الحياة مُجددًا، ويعود الأطفال إلى مدارسهم محملين بالطموح، وسننتصر على كل الأعداء بالتكاتف والعمل الدؤوب.. عندها فقط؛ سنتمكن من النوم بعمق وحينها سابتسم.