الطليعة الشحرية (حالوت أليخاندرو)
"بق بق بقيقي، يا ساكني العالم الرقمي أفيقوا".. يحتاج رواد العالم الافتراضي إلى "دِيك" يُنبههم من الغفلة و"التسطيح" وسرعة انتشار الشائعات والأخبار المغلوطة والكاذبة.
****
كانت الشائعة منذ أمدٍ بعيد -ولا تزال- أحد السلوكيات الإنسانية الطبيعية في حياة كافة المُجتمعات البشرية، إلا أنَّ الإشكال المُستَجد أنَّها قديمًا كانت تستغرق نحو 72 ساعة لتصل إلى سكان قرية يبلغ تعدادهم 300 شخص، بينما اليوم كل ما تحتاجه هو كبسة زر وأصابع رشيقة وعقل مُسطَّح، وسيعلم سُكان الكرة الأرضية ما حدث في غضون سويعات معدودات.
ولا يختلف اثنان من ذوي العُقول الرَّصينة والمحجَّة الفكرية البيضاء اليوم، حول مساهمة بعض منصَّات التواصل الاجتماعي في ارتفاع شأن التافهين والمُتهافتين، وظهور طبقة جديدة من الوصوليين الاستعراضيين.. وبكل تأكيد أقول ذلك دون تعميم، ولكن لإبراز عدة نقاط ترسم ملامح معمعة افتراضية تعكسُ "قوة وأثر المعلومات الخاطئة" على توجيه الرؤى والأفكار. وأخطر هذه النقاط وأشدها فتكًا تكمُن في جماهيرية ناقل المعلومة نفسه و"كاريزمته"، وقاعدة المتابعين له.
هذا من جانب، ولكن ماذا لو كان ناقل الشائعة أو المعلومة مجرد أداة فُصِّلت خصيصاً لتوسيع رقعة التسطيح؛ أيًّا ما كان نوعه على المستوى الفكري: تسطيح متعلق بالتعليم، بالأدب، بالسينما، بالأخبار، بالثقافة، بل وحتى بوسائل الترفيه والمرح.. هنا يكون التسطيح متعمدًا وليس محض صدفة.
وإذا ما عاينَّا وقائع الحملة الوطنية للتحصين ضد "كوفيد 19"، والحملة المضادة والمشحونة بهذا الكم الهائل من الرسائل والفيديوهات والمقاطع التي تُبث عبر الفضاء الرقمي داعية للعزوف عن اللقاحات، مستندة إلى حجج واهية ومصادر غير علمية تدعي المصداقية وهي منها بَرَاء، ونقاشات جدلية لا طائل من ورائها حول مأمونية اللقاح وفاعليته وأهميته للمصلحة العامة والشخصية.
وإذا أوقفنا فقط هدير كبسات زر هذا الفضاء الإلكتروني، فلن يكون الأمر مُرهقًا أبدًا على أيٍّ منِّا لاكتشاف مدى هزال هذه الادعاءات وتفنيد هذه الحجج.. فببساطة هذا الفيروس بدأ ظهوره في 2019، وانتشر في 2020م، واللقاح في 2021، فمتي تمَّت كل هذه الأبحاث المدَّعية بأن من يأخذ اللقاح سيموت بعد سنتين؟ وأين سمعتم لوك مونتانييه الحاصل على جائزة نوبل، يقول إنَّ جميع من تلقوا اللقاح سيموتون في غضون عامين؟ وكيف عن المقابلة التي تمت مع مدير شركة فايزر ألبرت بورلا وهو يقول إنِّه لن يأخذ اللقاح!!
دعُوني أريكم وجه الصورة الآخر لبعض ادعاءات الفضاء الرقمي، والتي غالبًا ما تكون اجتزاء لكل الحقيقة، فلوك مونتانييه لم يقل إن جميع الذين تلقوا اللقاح سيموتون في غضون عامين، وإنما أصل ذلك يعود لمقال على الموقع الإلكتروني للمجموعة اليمينية "رير فاونديشن يو.إس.إيه (RAIR (Foundation USA " التي قالت إنَّ التصريحات جزء من مقابلة أكثر شمولا أجريت مع "هولد آب ميديا" (Hold-Up Media) المعروف بالترويج لنظريات المُؤامرة، ولكن مونتانييه لم يقل ذلك في المقابلة. وحصل الموضوع ذاته مع مدير شركة فايزر الذي أكد أنَّه سيأخذ اللقاح في أقرب وقت مُمكن، مع احترام أولويات إعطاء اللقاح للعاملين في الخطوط الأمامية وكبار السن.
... مُؤسف جدًّا الشعور بأنَّ الجميع من حولنا يتعرضون للتسطيح بوعي أو بدون وعي، ومن المُؤلم حقًّا في هذا العصر الشاهد على طفرة تقنية هائلة بهذا القدر، أن ترتهن حياتنا وحياه أحبائنا إلى أخبار الواتساب، ومنصات التواصل الاجتماعي، ومجاهيل يدَّعون المعرفة ويتمتعون بالشهرة.. يا ليت في فضاءاتنا دِيكًا يصيح، مُعلنا ثورة التصحيح في وجه هذا المد التسطيحي الممنهج، صادحاً: "بق بق بقيقي، يا ساكني العالم الرقمي أفيقوا".