ناصر بن سلطان العموري
ما دعاني لكتابة هذا المقال هو حادث السير الذي حصل على عقبة العامرات بداية هذا الأسبوع والذي تسبب في ازدحام شديد، وتعطيل للحركة المرورية، وتأخير مئات إن لم يكن الآلاف من المواطنين عن أعمالهم والقادمين من ولايات صور و قريات والعامرات.
الحقيقة أنه ليس الحادث الأول ولن يكون الأخير، وذلك ليس دعوة للتشاؤم، لكن إذا نظرنا لوضع العقبة الحالي فهل يوجد ما يمكن إصلاحه؟؟ كنتُ قد طرحتُ مقالًا بعنوان "عقبة العامرات.. هل كان بالإمكان أفضل مما كان؟"، وذلك منذ 7 سنوات عند إنشاء العقبة وقتها، وتطرقتُ عبر فقرات المقال إلى موقع عقبة العامرات؛ تلك العقبة المهيبة التي تزهو كل ليلة بحلتها المضيئة فوق جبل شامخ وكأنها ملكة متوجة على عرش مملكتها، لا نبكي على اللبن المسكوب، ولكن ألم يكن بالإمكان أفضل مما كان عند إنشاء عقبة العامرات؟ أم أن القرار اتُخذ على عجالة دون النظر إلى السلبيات قبل الإيجابيات؟ وما الإيجابيات يا ترى وحال عقبة العامرات واضح للجميع؟ صيانة دائمة وانهيارات أوقات الأمطار الغزيرة، والنتيجة توقف العقبة عن أداء دورها لأيام، هذا غير حوادث السير التي تقع لأسباب مختلفة، حينها يشتد الزحام على الطرف الآخر طريق العامرات-وادي عدي، ويضيق خناق طرق العامرات الرئيسية نتيجة تزايد النمو السكاني في ولاية العامرات والولايات المجاورة لها.
طرحتُ موضوع نقاشي على أحد مواقع التواصل الاجتماعي بعد حادث الشاحنة الذي جرى صباح الأحد الفائت، وكان من ضمن المشاركين من مرتادي الطريق يوميًا إن لم يكن من مستخدميه أحيانا، وكانت أغلب المشاركات أجمعت على سؤال واحد: ماذا لو كانت العقبة نفقًا؟ عندها الحلم سيكون جميلًا والواقع أجمل، بأن يكون مقصدًا ومعلمًا سياحيًا بارزًا، ولا أدري صراحة ما الذي منع من تحقيق هذا الحلم الجميل، وإظهاره للنور، ولِما لم يتم الاستفادة من الدول صاحبة الخبرة في تنفيذ الأنفاق مثل اليابان؟ فعلى الرغم من أنها دولة ذات نشاط زلزالي إلا أنها تشتهر بكثرة الأنفاق التي تشق جبالها، فهم أدركوا أن الأنفاق أحد أكثر الحلول سلامة في الشوارع الجبلية، وكذلك الحال في فرنسا وبريطانيا؛ حيث يربض نفق المانش العجيب بطول 50 كيلومترا والذي استغرق بناؤه 6 سنوات فقط! وأين تحت سطح البحر؛ حيث التربة طينية لزجة وهذا يرد على من قال إن نوعية التربة في جبال العقبة لا تصلح لتنفيذ الأنفاق. وهناك دراسة بحثية متكاملة قام بها أحد الأخوة الأجلاء عن الجدوى الاقتصادية لتنفيذ نفق عوضًا عن العقبة الحالية والتي ربما سوف ننشرها لكم عبر هذا العمود في وقت لاحق.
شاءت الأقدار بفعل فاعل أن يكون بدل النفق طريق جبلي سمّيَ بعقبة العامرات، طريق جبلي مُنهك للسيارة ومرهق ذهنيا لكل سالك، وكان من البديهي أن يتم استغلال موقعه المتميز استغلالًا سياحيًا من خلال إنشاء استراحات عامة للتنزه، ومطاعم ومقاهٍ وأماكن لممارسة هواية الاسترخاء لمحبي النظر من الأماكن العالية من أعلى لمدينة مسقط الجميلة وشواطئها الخلابة، لكن كل هذا لم يكن سوى أمنيات. ولا أدري هنا هل كان لوزارة السياحة دور نظرًا لموقع العقبة الاستراتيجي، ووضعت تصورًا لتطوير المكان أو استثماره سياحيًا واستغلاله كما يجب على غرار مواقع جبلية سياحية شهيرة مثل جبل قسيون في سوريا أو جبل حفيت في إمارة العين بدولة الإمارات، لاسيما أن تأجير المرافق السياحية الخلابة على العقبة- لو جاز لها الإنشاء- من شأنه أن يغطي تكلفة صيانة العقبة، أم أن الموضوع ظل حبيس الأدراج المحكمة الإغلاق؟!
هناك زيارات لمسؤولين عُمانيين لعدة دول للاستفادة من تجاربها في مجالات مختلفة، إذن أين الاستفادة من تجارب الدول وأين بُعد النظر والتخطيط على المدى البعيد؟ وماذا عن السلامة المرورية في عقبة العامرات، ونحن نسمع عن الحادث تلو الآخر؟ فلماذا لا يتم وضع بوابات علوية تحذيرية لا يزيد ارتفاعها عن 2.5 متر لتحديد مقاسات المركبات المصرح لها باستخدام المسار، مع وضع لوحات إرشادية بضرورة عدم استخدام طريق العقبة للشاحنات الثقيلة ذات الحمولة العالية والحافلات الكبيرة وسلك طريق وادي عدي، عوضًا عنه وتغليظ العقوبة لكل مخالف مستهتر بروحه وأرواح الآخرين. طبعا هنا لن نتحدث عن المنعطفات الحادة الواضحة للجميع ولا عن الانهيارات الصخرية التي تحدث، وهذا كله استنزاف وهدر للأموال، فأين هم المهندسين والمشرفين؟ ولماذا لم يتخذوا الحيطة والحذر فيما يتعلق بالأمن والسلامة لهذه العقبة واتخاذ ما يلزم مسبقًا؟
المطلوب الآن حلٌ جذريٌ وناجعٌ لمعالجة الإصلاحات الدائمة في عقبة العامرات، والحد من حوادث السير، خصوصًا للمركبات الثقيلة، ولما لا يتم كذلك تأهيل الطريق مرة أخرى أسوة بما حصل لطريق الجبل الأخضر حتى يشعر من يرتاده بالطمأنينة والسلامة؟ فالوضع قد بلغ أقصاه والمواطنون استبشروا بهذا الطريق خيرًا؛ كمنفذ مختصر يريحهم من عبء وضغط زحمة الشوارع. وعند التفكير في إنشاء مشاريع سياحية على العقبة، يجب أن تكون عمومية الاستخدام لأغلب المواطنين من حيث النوعية والأسعار، وليس التفكير في تنفيذ مشاريع 5 نجوم لا يدخلها إلا علية القوم وخاصته! فهل سوف نشهد معالجة مسار عقبة العامرات ليصبح مسارًا سياحيًا آمنًا أخّاذًا؟!