حيدر بن عبدالرضا اللواتي
في الوقت الذي يُشيد فيه بعض المسؤولين بدول مجلس التَّعاون الخليجي بنجاحها في تنويع مصادر الدخل القومي والتنويع الاقتصادي، فإنَّ الخبراء المعنيين في المنطقة وخارجها يرون أنَّ دولنا ما زالت معتمدة بصورة كبيرة على الإيرادات النفطية والغاز التي تشكل نسبتها ما بين 70 إلى 80% من إجمالي إيرادات الموازنات العامة السنوية.
وعليه فإنَّ تراجع أسعار النفط يؤدي إلى عجوزات مالية كبيرة في تلك الموازنات. وقد رأينا مؤخراً الآثار السلبية التي تركتها الأسعار المتدنية للنفط على الحركة الاقتصادية والأسواق المالية والعقار والسياحة بالمنطقة، والتي تزامنت مع تفشي فيروس كورونا، الأمر الذي يؤثر بصورة مباشرة على مشاريع التنمية الاقتصادية والاجتماعية، والحركة التجارية اليومية. وهذه التذبذبات في الأسعار تدفع حكومات المنطقة إلى اتخاذ قرارات لا تصب في مصلحة المواطنين من خلال رفع أسعار الخدمات التي تُقدمها المؤسسات الحكومية كالكهرباء والمياه والوقود وغيرها، بجانب فرض الضرائب المتاحة التي تؤثر بصورة كبيرة على دخل الأفراد والأسر وخاصة الطبقة الفقيرة في المجتمعات الخليجية.
دولنا تحتاج إلى نجاح سياسات التنويع الاقتصادي لكي تحقق الرفاهية للمواطن الخليجي. فالقطاعات غير النفطية ما زالت عاجزة عن مُساهمتها الفعلية في إجمالي الإيرادات بصورة كبيرة. ومتى ما كانت أسعار النفط والغاز جيدة فإنَّ الإيرادات الكلية جيدة، وبالتالي فإن عجز الموازنات يتراجع هو الآخر قليلا، عكس ما يحصل في حالة تراجع أسعار النفط ودخل الدول من هذا المصدر الريعي، فإنه يؤدي إلى زيادة قيمة العجز السنوي والتوجه نحو الاستدانة ودفع الملايين لخدمة فوائد الديون والأقساط السنوية.
الخليجيون يتحدثون دائمًا عن التنويع الاقتصادي وأثره في الناتج المحلي الإجمالي، ولكن لم يتم تحقيق الحلم إلى اليوم. وهذا ما تحدث عنه الأستاذ خالد جناحي رجل الأعمال البحريني بمجلس الخنجي مُؤخرًا، مشيرا إلى أنه ليس هناك تغيير كبير في الصادرات غير النفطية في دول الخليج على الرغم من أن هذه الدول تحدثت كثيرًا منذ عام 2000 و2001 عن أن تنويع مصادر الدخل يجب أن يكون حقيقياً وليس هامشياً؛ فالصادرات غير النفطية ما زالت ضئيلة، وبعض المؤسسسات والشركات التي تعمل في مجال الصناعة كالألمنيوم والغاز والطيران والمواد الكربونية وغيرها من المؤسسات السياحية والصناعية تحصل على دعم مستمر من الحكومات للاستمرار في أعمالها، باعتبار أن آلاف من المواطنين الخليجيين يعملون في تلك المؤسسات والشركات في مختلف الوظائف منذ الـ30 السنة الماضية؛ حيث إن الدعم الحكومي لهذه المؤسسات أبعدها عن التنافسية كما هوالحال في الكثير من الدول العربية الأخرى. ويرى الخبير أن لدينا افتقار في اقتصاد المعرفة (الفِنتك)Financial Technology ، في الوقت الذي يتحدث صندوق النقد الدولي بأن تصفير 2 تريليون دولار لدول الخليج في الخارج سوف يتحقق في عام 2034، إذا لم تتغير السياسات الاقتصادية والمالية لدول المجلس فيما يتعلق بسياسات التنويع الاقتصادي، مؤكداً أن الكثير من المسؤولين في المنطقة لا يتحدثون عن هذا الموضوع. وهذه القضايا تؤثر بشكل مباشر على تصنيفات الدول الخليجية من قبل شركات التصنيف الائتماني العالمية، حيث إنه في حالة تراجع التصنيف فإن الأمر يحتاج إلى سنوات عديدة للعودة إلى المرحلة التي كانت عليها الدولة من حيث قوتها المالية سابقًا. إنَّ تحقيق سياسة التنويع الاقتصادي يتطلب العمل بالواقع والابتعاد عن الاعتماد على بعض المقولات وهي: "اصرف ما في الجيب يأتيك ما في الغيب"، فالأوضاع اليوم تختلف كلية عما كانت عليه في السابق، وهذا ما يؤدي ببعض الدول التوجه نحو الخصخصة وبيع بعض الأصول الحكومية، وفرض الضرائب ومنها ضريبة القيمة المضافة. وإذا ما أرادت لحكومات أن تواكب التطورات ويكون لديها القدرة المالية والمستدامة فإنها يجب عليها الإسراع في التنويع الاقتصادي، وإلا فإنها سوف تضطر إلى أن تتوجه نحو الشعوب لتأخذ منها، ثم تقوم باسترجاع ما أخذته على شكل تقديم خدمات أي "ادفع لكي تحصل على مبتغاك". ومن هذا المنطلق يرى الأستاذ جناحي أنه من المهم أن تُبدي الحكومات الخليجية الاهتمام والاستثمار في الإنسان أولاً، وفي تعليمه عن طريق النقد الذاتي، مع العمل على رفع قيمة الصادرات غير النفطية، وأن تكون الخصخصة في شركات ناجحة، وليس في الشركات التي تعتمد على الدعم الحكومي، مع ضرورة العمل على رفع الأجر للشخص الخليجي، وإيجاد إدارات تنفيذية جيدة لهذه المؤسسات.
المنطقة تعاني من قلة فرص التوظيف والبطالة، إلا أنها تتمتع بقوانين جيدة، ولكن لدينا شيء اسمه "فوق القانون"، وعلينا التعامل سواسية مع الجميع وعدم التفرقة بين الوزير والتاجر أو المشرّع والموظف، فكلهم سواسية أمام القانون، وعدم الالتزام بهذا الأمر يؤخر إنجاز الكثير من المشاريع ويبعد الحكومات عن النجاحات في المنطقة، الأمر الذي يتطلب العمل بالنقد الذاتي، وإلا فإنَّ الكل سوف يدفع الثمن تجاه القرارات الخاطئة. والتوقعات تشير إلى أن عدد سكان دول المجلس سوف يصل إلى 65 مليون نسمة عام 2030، إلا أن الدخل سوف يتراجع، وبالتالي سنجبر الفقراء على أن يدفعوا للحكومات عندما تفشل الخطط الجيدة. فاليوم من الصعب على الحكومات أن توظف الأشخاص برواتب عالية مثلما كان الحال في السابق، عندما كانت أسعار النفط عالية، باعتبار أن المصاريف الحكومية في دول الخليج في تصاعد مستمر، وهذا ما يفرض على الحكومات الخليجية أن تفكّر جديًا في تحقيق التكامل الاقتصادي فيما بينها، والتوجه نحو المشاريع غير النفطية المشتركة واتمامها، مع التركيز على القطاعات الحيوية في المنطقة ومنها السياحة وتفعيل المشاريع القائمة في قطاعات الموانئ والطرق والتوجه نحو بناء سكك الحديد وغيرها من المشاريع المهمة، مع الاعتماد عل الشخص الخليجي والكفاءات الوطنية في أداء المهام في جميع القطاعات النفطية وغير النفطية.
ويتساءل جناحي عن الأسباب التي أدت إلى فشل سياسات التنويع الاقتصادي في المنطقة بالرغم من الدعم والحوافز التي حصل عليها القطاع الخاص. كما يتساءل عن ضرورة تواجد 6 بنوك مركزية في دول المجلس، وهل نحتاج إلى هذا الكم الهائل منها لإدارة سياساتنا الاقتصادية، موضحًا أن نيويورك يتواجد بها 18 مليون نسمة ولكن يحكمها 5 أشخاص أكفاء، بينما نحن لدينا في كل دولة خليجية 30 وزيرًا. كما يتساءل عن وجود 8 بورصات خليجية، بينما أكبر شركة في المنطقة هي أرامكو. وبقية مجموع الشركات المساهمة لا تعادل قيمتها قيمة شركة واحدة كبيرة عالمية في البورصة الأمريكية أو العالمية، موضحًا أن التفكير السائد بين المسؤولين والمواطنين في دول المجلس منصب على رقم 7 و9 وهذا يعني أن الاختلافات القائمة في الرؤى والسياسات التي تتبناها الحكومات والمواطنين سوف تستمر، مختتما حديثه بالقول إنَّ تطور حياة الشعوب في اليابان وكوريا وسنغافورة تعزى إلى أنظمة التعليم التي تقدر قيمة المُعلِّم، وبالتالي ترى لديهم أجيالاً متعلمة في جميع العلوم وتساهم في التطور والتقدم وحفظ حقوق جميع الناس.