الحكومة الإلكترونية والخدمات الذكية

أحمد بن خلفان الزعابي

مع التطور التكنولوجي الذي نعيشه ونحن في الألفية الثانية فإننا نشاهد ونلمس التقدم الهائل والمتسارع لأنظمة الاتصالات وتقنية المعلومات، وبلا شك فإننا جميعاً اليوم نستخدم الخدمات الإلكترونية في شتى مجالات الحياة.

لقد فرض التطور التكنولوجي الهائل حول العالم برتوكولاتٍ جديدة (نظام قياسي تتابعي متفق عليه يساعد على نقل المعلومات بسهولة بين الأجهزة المختلفة) الأمر الذي جعل من الضرورة بمكان أن تعمل الدول على الاستفادة من هذه التقنية والتي مكّنت الكثير من الحكومات من تجاوز الزمن والمسارعة نحو التحول بخدماتها إلى بيئة الأعمال الإلكترونية، وأصبح لزاماً على الجميع هجر الخدمات التقليدية والانتقال لاستخدام الخدمات الإلكترونية كمنصات الخدمات الحكومية ومنصات التسوق الإلكتروني.

بالطبع أن عملية الانتقال ليست بالأمر السهل أو الهين ولم تكن في متناول الجميع، حيث بادرت السلطنة كغيرها من الدول بتحديث التشريعات لضمان الاستخدام الآمن لهذه التقنية وتعقب كل من تسول له نفسه الإساءة بمختلف أشكالها، كما قامت الجهات المختصة خلال الفترة السابقة بجهود كبيرة متمثلة في اعتماد استراتيجية عُمان الرقمية في مارس 2003، والركائز التي تستند عليها وما تلى ذلك من استثمار في البنية الأساسية لقطاع الاتصالات وتقنية المعلومات، وقد أفرزت لنا هذه التطورات العديد من الخدمات الإلكترونية لدى مختلف مؤسسات الدولة، كما برزت معها ثقافة الخدمات الذاتية للمتعاملين ومع التطور المُستمر سارعت مختلف الوحدات الحكومية إلى تطبيق برنامج التحول الرقمي (أتمتة خدماتها) أي التحول بالخدمات من البيئة التقليدية إلى البيئة الإلكترونية وقد واكب هذا التحول الكثير من عمليات تحسين وتجويد الخدمات وتعزيز برامج وأنظمة أمن المعلومات من خلال إنشاء المركز الوطني للسلامة المعلوماتية في أبريل 2010، وذلك بهدف تحليل المخاطر والتهديدات الأمنية الموجودة في الفضاء الإلكتروني.

كان نتاج تلك الجهود قيام الحكومة الإلكترونية ممثلة في مختلف الأوجه، كالخدمات الإلكترونية التفاعلية والتي تتمثل في تقديم المتعاملين لطلباتهم إلكترونياً، ثم متابعة إنجاز الطلب لدى الوحدة الحكومية المختصة، وقد باشرت بعض الجهات بتقديم خدمات إلكترونية إجرائية تمثلت في قيام المتعاملين بتقديم طلباتهم إلكترونياً حيث يتطلب هذا النوع من الخدمات التفاعل المتبادل بين مقدمي الطلبات والوحدة الحكومية المختصة ليتم إنجاز هذا النوع من الطلبات، مع استمرار التطور التكنولوجي فقد قامت الكثير من الجهات بالعمل على ترقية أنظمة تقنية المعلومات لديها واستخدام منصات تسمح بتقديم خدمات إلكترونية تكاملية حديثة، وهذا النوع من الخدمات فيه تكامل بين عدد من الوحدات الحكومية في شأن تبادل الوثائق والبيانات التي بدورها تُمكّن الوحدات الحكومية من تقديم خدمات أسرع وتختصر الزمن على طالب الخدمة؛ حيث تتيح له القيام بتقديم طلبه إلكترونياً مع وجود خاصية استلام الإشعارات عبر الرسائل النصية القصيرة أو البريد الإلكتروني عن حالة الطلب ومراحل الإنجاز، دون حاجة العميل لأية مراجعات للجهات المقدمة للخدمة وذلك لأنَّ هذه الخدمة يتطلب الدخول إليها خاصية التصديق الإلكتروني، كما تمكّن الخدمة من سداد الرسوم إلكترونياً عبر بوابة دفع آمنة.

ومع كل ذلك إلا أن بعض الجهات الحكومية لا تزال تحتاج لبذل المزيد من الجهود وعليها المبادرة بأتمتة خدماتها وتصميم مواقع وبوابات إلكترونية متوافقة ومتطلبات استراتيجية عمان الرقمية، مع استخدام وسائل وأدوات الذكاء الاصطناعي عند تصميم المواقع الإلكترونية الخدمية وأنظمة تقنية المعلومات التي يستخدمها الموظفون سواء في مواقع العمل أو الأماكن الميدانية، وذلك لضمان تقديم خدمات إلكترونية تتسم بالذكاء حيث باستطاعة هذه الأدوات اختصار الوقت والزمن من خلال استشعارها لحاجات العملاء الداخليين (الموظفين) والخارجيين (طالبي الخدمة) وتوجيههم نحو الخدمات التي يحتاجونها بشكل مباشر وسريع يلبي احتياجاتهم ورغباتهم. كما يجب أن تتسم هذه المواقع بسهولة الاستخدام من قبل الجمهور وليعلم المسؤول أن المستفيد من هذه الخدمات ليس بنفس درجة المعرفة الرقمية للموظف المختص ونقترح إن جاز لنا ذلك أن تعمل أي وحدة حكومية على الطلب من الجمهور بتجربة أيّة خدمات قد يتم استحداثها مستقبلاً وذلك لضمان تلقي الملاحظات والمقترحات التطويرية للمتعاملين ذاتهم وذلك لأن أغلب المتعاملين حالياً يجيدون استخدام وسائل تكنولوجيا المعلومات.

كل هذا التقدم التقني يأتي متماشياً مع رؤية "عُمان 2040" واستراتيجية عُمان الرقمية التي تركز على التحول الرقمي والابتكار لتعزيز اقتصاد وازدهار المجتمع، ومما لا شك فيه أن قطاع نظم المعلومات والاتصالات قد خدم عملية التحول نحو التعليم الإلكتروني خلال أزمة جائحة كورونا كوفيد 19، بالرغم من التحديات الكبيرة لكون الجائحة فرضت واقعاً جديداً، إلا أن الطلبة وبمختلف مراحل التعليم تلقوا التعليم عن بعد باستخدام المنصات الإلكترونية، كما تمكّنت بعض الوحدات الحكومية من تقديم خدماتها لعملائها إلكترونياً رغم التحديات الكثيرة؛ حيث تمكن موظفو هذه الجهات من العمل عن بعد وتمكّنوا من إنجاز أعمالهم دون الحاجة للتواجد في مواقع العمل.

وختامًا.. إننا نشهد تطورًا ملحوظًا لنظم المعلومات وتكنولوجيا الاتصالات خلال هذه الفترة، إلا أنه مع قيام الدول والمنظمات وتسارع وتيرة الاستثمار في هذا القطاع الحيوي وإطلاق الأقمار الاصطناعية حول مدار الأرض فإننا لا نستطيع التكهن بالحد الذي سنصل إليه، ولكن يتوجب عدم إضاعة المزيد من الوقت واستغلال الفرص لتقديم أفضل الخدمات الذكية التي تتجاوز سقف طموحات المستفيدين وتساهم في توظيف كل ما من شأنه رفعة بلادنا الحبيبة عُمان.

تعليق عبر الفيس بوك