عيسى الغساني
يُشكل مفهوم التماسك أحد مواضيع البحث المهمة والدائمة في علم الإجتماع، وما ارتبط به من علوم إنسانية كعلم النفس الاجتماعي وعلم الاجتماع القانوني وعلم السلوك الإنساني، وعلم الاقتصاد الاجتماعي وعلم الاجتماع السياسي بما يشمله من الطروحات والنظريات المختلفة.
وتتعاطى كل العلوم من مفهوم التماسك الاجتماعي، سعيا إلى تأصيل غايتين هما الغاية الأولى كيفية بناء واستدامة قيّم التماسك الاجتماعي، والغاية الثانية هي كيفية علاج الأحداث والظواهر التي تؤثر سلبًا على التماسك الاجتماعي.
وأحد تعريفات التماسك الاجتماعي هي التعايش والانسجام بين أفراد وجماعات المجتمع أو يبني مفهوم التماسك الاجتماعي، وفقا لعديد من الدراسات الاجتماعية على مثلث أو ثلاث أعمدة رئيسة هي: 1) العمود الأول: حالة احترام للحقوق الإنسانية والقانونية. 2) العمود الثاني: محاربة الحاجة والعوز. 3) العمود الثالث: التعاطي مع ظاهرة البطالة وآثارها على المجتمع.
هذه العناصر الثلاثة عند ضبطها والسيطرة عليها تتسق علاقات التماسك الاجتماعي، وتظهر ثمار لتماسك الاجتماعي من الاحترام التلقائي للقانون، وقلة ظواهر الخروج على القانون والاحترام البين والفعلي بين أفراد المجتمع،والتطور المعرفي بشتى أنواعه.
ومن الأهمية بمكان أن تتكامل عناصر التماسك الاجتماعي بمنظومة قانونية واعية تُشكل وعي اجتماعي نظري وواقعي، بحيث تُطبق هذه القوانين بشفافية وعدالة،فكل فرد يحصل على حقه بموجب القانون ابتداءً،وهنا يشكل ويترسخ مفهوم عدالة القانون واحترامه وأن الجميع سواسية أمام القانون، وبذلك يتأسس الوعي بأهمية القانون وضرورة احترامه،وتبني علاقة التكامل بين الأفراد القائمين على تطبيق القانون، والأفراد المخاطبين بأحكامه،وتنشئ القيمة الأخلاقية الاجتماعية بأن الخروج عن القانون والسعي لتعطيله أو الاحتيال عليه لتحقيق مصالح خاصة يشكل جريمة أخلاقية قانونية، ويتأكد ذلك بتطبيق القانون على الجميع،فالجميع مؤتمنون على تطبيق القانون.
إن تكامل المنظومة القانونية التي تُعالج بنية التماسك الاجتماعي، أمر في غايه الأهمية، ويأتي ذلك بالإجابة المستمرة وتحليل الإجابات وسد الفراغ التنظيمي والتشريعي، والأسئلة: ما هي قيم التماسك الاجتماعي الممولة؟ وما القيم السائدة؟ كم نسبة الأفراد الذين يجب رعايتهم والعناية بهم؟ ما نسبة القوة الاجتماعية خارج منظومة العمل الاقتصادي؟ ما دور الكيانات الاقتصادية ومسؤوليتها الاجتماعية؟
ويُعزز ذلك بمؤشرات أداء تتابع بصفة دورية، تُعزز وتعالج بناء عناصر البناء الايجابي للتماسك الاجتماعي.
القيمة التي ينظر بها أفراد المجتمع إلى القوانين الناظمة للسلوك والحقوق الاجتماعية الكلية والفردية، بمعنى هل ينظر الفرد إلى أن القانون يمنحه الحماية والحق المرسوم له على وجه المساواة، أم أن هناك فجوة بين ما هو مكتوب وماهو مطبق، من حيث الواقع والتطبيق،فان هذه الفجوة الفكرية بأن هناك اختلاف وتنافر ماهو مكتوب وماهو مطبق.يشكل مؤشر فكري يجب النظر إليه باهتمام وبفكر مستنير لعلاجه، وإعادة التوازن إلى أفكار الفرد والمجتمع.
خلاصة القول.. إن دراسة البنية الفكرية السائدة لأي مجتمع، والعلاقات البينية بين أفراده والعلاقات الأفقية مع الإدارة، وما أنتجته من أفكار، حقيقة لا يمكن تجاوزها، ذلك أنها؛ تشكل منطلق البناء الاقتصادي والاجتماعي الفاعل.