ناصر بن سلطان العموري
اطلعتُ مُؤخرًا على دراسة بحثية طلابية قيِّمة، من جامعة السلطان قابوس بكلية الآداب (مسار جغرافيا- تخصص الدراسات السكانية)، بعنوان "أثر التوسع العمراني على خدمات البنية التحتية في أحياء ولاية العامرات في سلطنة عُمان"، وتكمن أهمية الدراسة فيما تناولته من موضوع بحثي مُهم للغاية، عكس بعض الدراسات البحثية الأخرى، التي تتناول مواضيع هامشية غير ذات أهمية بغرض "مشي حالك والسلام"!!
تكمن أهمية هذه الدراسة في شقين؛ أولاً: موضوع الدراسة، وثانيًا: مكان الدراسة. وجاءت الدراسة من الأهمية بمكان، من حيث التماس احتياجات الناس من البنى التحتية الضرورية، لاسيما في ظل ما شهده العالم في السنوات الأخيرة من ظواهر اجتماعية؛ لعل أبرزها ظاهرة زيادة أعداد السكان وظهور المدن الحديثة، مما أدى إلى ارتفاع تيارات الهجرة من الأرياف إلى المدن وازدياد الطلب على كافة السلع والخدمات من أجل تلبية متطلبات السكان المُتزايدة، الأمر الذي مهَّد لاستحداث ظواهر جديدة أهمها التوسع العمراني.
والسؤال هنا: لم تمَّ أخذ ولاية العامرات كنموذج عملي للدراسة؟ فكما هو معلوم تعاني ولاية العامرات بمحافظة مسقط من تنامي أعداد السكان بشكل كبير مع توسع عمراني كثيف، وذلك نتيجة لرخص الأراضي والمنشآت السكنية، وإنشاء شارع الجبل المعروف بـ"عقبة العامرات- بوشر"، الذي أصبح مشروعًا حيويًا جديدًا ساهم في اختصار المسافات بين الولايتين؛ الأمر الذي أدى إلى تزايد فرص التواصل المجتمعي، وفتح آفاق واسعة لعملية التنمية الشاملة. كل ذلك أدى إلى حدوث موجات هجرة سكنية كبيرة باتجاه هذه الولاية؛ نتيجة لتزايد أهميتها الاقتصادية والتجارية، وبسبب عدم وجود تخطيط مسبق لاستقبال هذه الأعداد الغفيرة من السكان من النواحي الخدمية والعمرانية وخدمات البنية التحتية، إضافة لصعوبة الطبيعة الجغرافية للولاية، وأدى ذلك لظهور مشكلات كثيرة كنتيجة للتوسع العمراني العشوائي.
وللعلم تطرقنا- عبر هذا العمود والعديد من المقالات فيما سبق وفي أكثر من صحيفة- إلى وضع ولاية العامرات من ناحية افتقارها للخدمات الأساسية بشكل دائم ومستمر، خصوصًا أنها إحدى ولايات محافظة العاصمة مسقط، ولها حق مشروع مثلها مثل باقي الولايات في المحافظة. ومن باب إعطاء كل ذي حق حقه؛ فقد شهدت الولاية تطورًا شبه ملحوظ في الفترة الأخيرة من ناحية معالجة الانقطاعات المستمرة للمياه تحديداً بسبب انفجار الأنابيب المتهالكة الموجودة منذ أمد طويل؛ فالمنطقة باتت تشهد الآن استقرارًا في توفير خدمات المياه والكهرباء أكثر عن ذي قبل، باستثناء التأخير في إيصال المياه لمُخططات سكنية لديها طلبات منذ مدة ليست بالقليلة، والحجة قلة الاعتمادات المالية والإجراءات البيروقراطية في إرساء المناقصات، وفي النهاية المواطن هو من يدفع ثمن فاتورة التأخير والتكلف في شراء الماء من جيبه الخاص .
وبالنظر لواقع منطقة الدراسة "ولاية العامرات..." يتضح لنا جلياً أن هناك حاجة مؤكدة وملحة من أجل النظر في خدمات البنية التحتية حتى ينشأ المجتمع بطريقة ملائمة وسليمة كغيره من المجتمعات المتطورة، وهنا أشير إلى أبرز التوصيات التي خرجت بها الدراسة:
- ضرورة إعادة النظر في المعايير التي تستخدم لتخطيط الخدمات واستبدالها بأساليب التخطيط الحديثة والتي تتناسب مع كل منطقة على حدة.
- مُراعاة المناخ والطبيعة الجغرافية السائدة عند التخطيط للخدمات.
- دراسة جدوى كل مشروع من مشاريع البنية التحتية والحرص على تقييم الآثار الاقتصادية والبيئية والاجتماعية للمشروع.
- إدارة ومتابعة خدمات البنية التحتية وصيانتها بشكل مستمر تجنبًا لحدوث أي كارثة قد تنجم عنها.
- تخطيط مجاري الصرف الصحي وأماكن مُعالجتها ومرادم النفايات بشكل جيِّد ويخدم كافة سكان الولاية، وبعيدا عن المناطق السكنية وفي اتجاهات تعمل الرياح على إبعاد الروائح الكريهة عن سكان المناطق.
- تعزيز التكامل بين السكان والجهات المختصة في المناطق السكنية للتعرف على الخدمات الأساسية المطلوبة في كل منطقة والمشاكل التي تُعاني منها مناطقهم والتعامل مع طلباتهم وبلاغاتهم بكل جدية وسرعة. عبر قنوات التواصل المختلفة.
- مُراعاة اكتمال المخططات السكنية عند توزيع الأراضي حتى تستطيع الجهات الحكومية توفير الخدمات في كل مخطط سكني دون وجود عوائق.
- توزيع الأراضي في المخططات الإسكانية للذين لديهم الجاهزية المباشرة للبناء حتى لا تعيق عمليات التنمية في المنطقة.
إنِّها توصيات غاية في الأهمية لو جاز لها التطبيق على أرض الواقع، ليس في ولاية العامرات فحسب؛ بل في جميع محافظات السلطنة؛ لارتقينا لمصاف الدول المتقدمة إجمالا. فقلما تنطبق الدراسات البحثية على الواقع المعيش بكل تجلياته، لكن الدراسة- التي بين أيدينا- سلطت الضوء على إشكاليات ومُعضلات واقعية تُعاني منها المخططات السكنية، وما تحتويه من خدمات أساسية، ويا حبذا هنا لو تستفيد وزارة الإسكان والتخطيط العمراني من مثل هذه الدراسات المهمة، علاوة على قيام وزارة التعليم والبحث العلمي والابتكار بدعم هؤلاء الباحثين من أجل تشجيعهم على مُواصلة بحوثهم الثرية.. وما طرحنا لهذا المقال إلا دعمًا لمثل هذه الدراسات البحثية وإبراز محتواها القيم، وكلنا أمل أن تجد الصدى المتوقع والاهتمام من قبل الجهات ذات العلاقة.