أمن الفرد كُلٌّ لا يتجزأ!

 

راشد بن سباع الغافري

عندما نسمع مصطلح الأمن أو نتحاور فيه يذهب أكثرنا إلى ربطه بعلم الجريمة واستقرار المجتمع، وقد نتجه به في بعض حواراتنا إلى أنَّ ما تقدمه الجهات الأمنية والشرطية ومن في حكمها من خدمات وتوجيهات تعين الفرد على النظرة الإيجابية تجاه مجتمعه ووطنه وتسهم في إصلاحه، وأحياناً نسنده إلى تلك النظرة المتعلقة بالمخابرات والتحريات والجاسوسية.

وإذا تعمقنا أكثر نظرنا إليه على أنه تلك القوّة الخارقة والذكاء الوّقاد الذي يقف كالسدّ المنيع في وجه أيّ خرق أو تهديد إلكتروني أو تقليدي قد يمس أمن المجتمع أو الوطن سواء من أشخاص ومؤسسات في الداخل أو ذلك الشّر الآتي من الخارج، ونكاد نحصر نظرتنا إلى مصطلح الأمن وفق ما تم ذكره فقط.

وننسى أو نتناسى، وربما نغفل أو نتغافل وقد نجهل أو نتجاهل، أنّ الأمن لم يعد حكرًا على هكذا تخصص؛ حيث ظهرت مصطلحات جديدة تنبثق من ذلك الأمن وتُعنى هي الأخرى بصلاح الفرد والمجتمع واستقرارهما، ومن ذاك مصطلحات: الأمن الصحي والأمن الأسري والأمان الوظيفي والأمن الفكري والأمن الاقتصادي والأمن الإلكتروني وغيرها.

والنظرة الصحيحة التي يجب أن نكون عليها تجاه كل ذلك هي أنّ "أمن الفرد كُلٌ لا يتجزأ"، كما جاء في عنوان هذا المقال؛ فالشعور بالأمن الشخصي على النفس والممتلكات رغم الحاجة المُلِّحة إليه إلا أنَّه لا يُغني الفرد من بقية أنواع الأمن التي يحتاجها من أجل أن يَنعُم بحياة كريمة ومستقرة.

نعم.. قد تتخصص جهةٍ ما في فرع ما من فروعه، تُكلفُ به وتبدع فيه، ولكنها يجب أن تتكامل مع بقية فروع وتخصصات ذلك الأمن لضمان فاعليته؛ فالمواطن الصالح المحب لوطنه والذي نتأمل دائماً قيامه بدوره الوطني لا يمكن تجزأة أمنه، أو إعطائه فرعا منه وَحرمانه من الأنواع الأخرى، أو حتى التقصير فيها!!

والفرد حتى يصلُح حاله على سبيل المثال لابُد من أن يشعر بالأمان الوظيفي، وذلك عن طريق توفير فرص العمل والوظائف التي يُبدع فيها وينتمي إليها ويسهم في رقيّ وطنه وذاته من خلالها، والأمن الصحي والذي يُعنى بتعزيز الجوانب الصحية التي تحفظ له حياته وقوته وصحته، وتحميه من الأسقام والأوجاع، وتقدم له الرعاية الصحية في مختلف مراحل حياته وحالته الجسمانية، والأمن الغذائي والاقتصادي الذي يجعله يعيش رغد العيش ورفاهيته، والأمن الأسري وذلك يكون من خلال تيسير تملكه لمنزل يؤيه وأهله وإعانته على بناء أسرته واستقرارها مادياً وعاطفياً.. وهكذا.

 

يجب أن يستشعر الفرد كل تلك الأنواع من الأمن وغيرها كما هو شعوره الحاصل الآن بالأمن والأمان الشخصي على نفسه وممتلكاته، والاستقرار الذي وفرته له الأجهزة الأمنية والشرطية بمختلف وحداتها وتشكيلاتها وتخصصاتها، والتي كسبت بسبب جهدها ذاك ثقة المواطن في الداخل واحترام وإشادات العالم في الخارج.

إنَّ من أخطر أنواع الأمن الذي يجب التركيز عليه من وجهة نظري هو "الأمن الفكري"؛ لأنَّ هذا النوع من الأمن إن تُرك للحظ أو لوسائل التواصل أو لثقة عمياء ننسجها في خيالاتنا قد يتحول إلى كارثة تعصف بالوطن والمواطن، وبالفرد والمجتمع دون تمييز. وصقل هذا الفكر وتوجيهه وتعديل توجهاته بما يتوافق ومصلحة الوطن وتحصين أفراده يعتبر مطلباً مهماً، وذلك حتى يؤتي ثماره المرجوّة منه، وبالتأكيد فإنَّ هذا النوع من الأمن لابُد أن يتكامل هو أيضًا مع فروع الأمن الأخرى للفرد والمجتمع.

وإن لم يكن الأمر كذلك فمن المُفيد جدًا أن نتساءل: كيف نطالب أبناء هذا الوطن بمُراعاة مصالح وطنهم وحفظها وعدم التأثر بالفكر السلبي الرائج من حولهم؟ بينما هم لا يجدون من يُعنى بمُراعاة مصالحهم وتحقيق تطلعاتهم وتوفير احتياجاتهم التي تعينهم على التفاني والإخلاص لذلك الوطن وما فيه ومن فيه؟!

ختامًا.. لنتأمل الحديث النبوي القائل: "من أصبح منكم آمناً في سربه معافى في بدنه عنده قوت يومه فكأنما حيزت له الدنيا"، فالحديث يشير إلى أهمية تكامل الأمن مع الصحة والغذاء، من أجل الشعور بطمأنينة العيش الكريم وأيّ تفريط في واحد من هذه الثلاثة يهدم ذلك الشعور بالطمأنينة والاستقرار. وهذا التكامل في أمن الفرد؛ هو الذي يجب أن تخطط له المؤسسات المعنيّة، وتعمل عليه، وتنسِّق فيما بينها لتحقيقه كلا حسب تخصصه؛ وذلك حتى نستطيع بناء ذلك المواطن الصالح المحب لوطنه والمتحصن من أيّة تأثيرات خارجية مبرمجة كانت أو عارضة، وإن لم يكن الأمر كذلك، فسنظل ندور في دائرة مفرغة ونكون كمن يحرث ماء البحر دونما جدوى ترتجى.

تعليق عبر الفيس بوك