كورونا المتحور

◄ ظهور المتحورات الفيروسية يستدعي العمل بأسرع وتيرة ممكنة للتطعيم بلقاح كورونا

◄ ضرورة إشراك كافة المؤسسات المدنية والعسكرية في حملة التحصين

حاتم الطائي

منذ أن تفشَّت جائحة فيروس كورونا في أرجاء العالم، والجميع أدرك أننا أمام وباء فتَّاك لا يرحم، وأنَّ هذا الفيروس ورغم ما توصلت إليه البشرية من تقدمٍ علمي في مجال مُحاربة الفيروسات والأوبئة، إلا أنَّ هذا الفيروس ليس كسابقيه؛ بل يُظهر لنا كل حين وجهًا آخر أكثر فتكًا وأقوى انتشارًا وأسرع تفشيًا.

سارعنا هنا في عُمان إلى اتِّخاذ كل ما يلزم من إجراءات لمُواجهة هذا الخطر الداهم، وأصدر حضرة صاحب الجلالة السُّلطان هيثم بن طارق المُعظَّم- حفظه الله ورعاه- أوامره السامية آنذاك بإنشاء اللجنة العُليا المُكلفة ببحث آلية التَّعامل مع التطورات الناتجة عن انتشار فيروس كورونا، ومنذ ذلك الوقت واللجنة تُكافح من أجل اتخاذ القرارات المُناسبة بما يسمح للجهات الصحية بالقيام بدورها وفي الوقت نفسه تُقلل من الأضرار الناجمة عن هذه القرارات، خاصة فيما يتعلَّق بالتأثيرات الاقتصادية. وتواصلت الجهود على مدى عام ونصف العام تقريبًا من أجل حماية المُجتمع من مخاطر هذا الفيروس، ولا ننكر أيضًا أنَّ المواطن قام بدوره في كثير من الأحيان، سواء بالالتزام بالإجراءات الاحترازية أو المبادرة بالحصول على اللقاح المضاد، منذ أن بدأنا الحملة الوطنية للتحصين في أواخر ديسمبر الماضي.

لكن في خضم كل ذلك، ووسط ارتفاعات وانخفاضات في المنحنى الوبائي، ظهرت متحورات جديدة لفيروس كورونا؛ دلتا وألفا وبيتا، وأخطرهم دلتا، نظرًا لقدرته الهائلة على الإصابة بنسبة تصل إلى 64% أكبر من أي سلاسة أخرى، وهذا يعني مزيداً من انتشار المرض وتفشيه في المجتمعات. لكن من لطف الأقدار بنا أنَّ هذه السلالات الجديدة تنتشر في وقت توصل فيه العلماء إلى إنتاج لقاحات مضادة لكورونا، وجميعها آمنة كما تُؤكد منظمة الصحة العالمية. لكن في ظل هيمنة الدول الكبرى والغنية على اللقاحات واستحواذ عددٍ قليل من الدول على كميات ضخمة من اللقاحات، فإنَّ دولاً أخرى ليست قادرة على الحصول على الجرعات الكافية لتطعيم الفئات الحرجة في المقام الأول، ومن ثم تطعيم بقية فئات المجتمع. وهذا حدث في دول عدة، ونحن في السلطنة تأخرنا في الحصول على اللقاحات بسبب مشاكل عديدة، معظمها مرتبط بعدم العدالة في توزيع اللقاحات ومُشكلات التوريد.

وبالأمس أعلنت اللجنة العُليا إعادة فرض قرار منع الحركة وإغلاق الأماكن العامة والخاصة من الساعة 8 مساءً وحتى الرابعة فجراً، في مسعى للحيلولة دون تفاقم الوضع الوبائي، خاصة وأننا نتحدث عن إصابات يومية تتجاوز الألف وبعض المئات، ووفيات بالعشرات، إلى جانب وصول نسبة الإشغال في المستشفيات ووحدات العناية المركزة لمُستويات غير مسبوقة، والبعض وصل لنسبة أكثر من 150%!! بعدما لجأت المستشفيات إلى استخدام بعض المساحات لوضع أسرّة، ما يعني أننا أمام وضع كارثي بمعنى الكلمة، وربما لا يجد مصابًا موطأ قدم له في أيِّ مؤسسة صحية، سواء كانت حكومية أو خاصة، إذا ما استمر الوضع على ما هو عليه.. ولذا المؤمل أن تسهم قرارات اللجنة العليا في تخفيض أعداد المصابين، ونأمل أيضًا أن تدق هذه الأعداد ناقوس الخطر لأيِّ شخص يتهاون في اتخاذ الإجراءات الاحترازية.

المطلوب الآن الاستفادة من قرارات الإغلاق ومنع الحركة، في خفض الإصابات والوفيات وتقليل الضغوط العنيفة على القطاع الصحي، وهذا يستدعي- أولًا- التزامًا قويًا للغاية من كل فردٍ يعيش على تراب هذا الوطن، وثانيًا التوسع بوتيرة أسرع في الحملة الوطنية للتحصين، وتعزيز جهود التوعية بأهمية اللقاح، لأننا وفي الوقت الذي نأمل فيه تطعيم أكبر عدد ممكن من الأشخاص باللقاح، ما زلنا نجد الشائعات والمقاطع المرئية والصوتية المُضلِّلة مُنتشرة بين النَّاس، الأمر الذي يستلزم بصورة مُلحّة بث أكبر قدر من الحملات التوعوية، ليس فقط عبر شاشات التلفاز أو عبر أثير الإذاعة؛ بل أيضًا من خلال الصحف وفي المراكز التجارية وفي الشوارع والأسواق، لابُد أن نصل إلى كل مُواطن ومُقيم ونصحح له المفاهيم المغلوطة حول اللقاح، ولا نكتفي بمنشور عبر تويتر أو فيديو على إنستجرام، فحرب الشائعات تستعر، وعلينا أن نُواجهها بكل طاقتنا، وأن يساهم فيها الجميع، ولا ينحصر الأمر على وزارة أو هيئة بمفردها.

وختامًا.. المتحورات الفيروسية باتت خطرًا محدقًا، وتسريع وتيرة إعطاء اللقاحات أصبح أولوية قصوى وعلى مدار الساعة من خلال استثناء العاملين في حملات التطعيم من قرارات منع الحركة والإغلاقات، وهذا يتأتى عبر إشراك كافة مؤسسات الدولة المدنية والعسكرية التي تملك الإمكانيات اللوجستية والكوادر المؤهلة، فضلاً عن إشراك جميع المؤسسات الصحية الخاصة في حملة التطعيم، وألا يقتصر الأمر على عدد محدود مستشفيات القطاع الخاص، علاوة على التوسع في حملات تطعيم تجوب المواقع ذات العمالة الكثيفة أو مناطق الامتياز، علينا أن نذهب إلى المُستهدَفين ولا ننتظر قدومهم، وأن نستعين بالمتطوعين، كي نخرج من مرحلة عنق الزجاجة التي نمر بها، ونحفظ وطننا من كل خطر يتهدده.