اللقاحات وصراع الأقوياء

 

سمير الهنائي

قبل سنوات طويلة ومع بداية الألفية الثانية انتشرت شائعات عديدة حول أحد المشروبات الغازية الشهيرة ومياه معدنية شهيرة تابعة لها، مفادها بأن أحد عمال تلك المصانع سقط في ماكينات التصنيع وخلط مع المشروبات، وتوجب الحذر منه والتوقف عن شراءه، واليوم بعد نجاح هذه المشروبات على مستوى العالم تُعد تلك المشروبات والمياه من أفضل المشروبات حول العالم، لدرجة أنها باتت تُباع في أغلب المطارات كنموذج للجودة العالية والعالمية والجميع يعرفها دون ذكر الاسم.

مثل هذه التفاهات والشائعات والببغاؤية ليست وليدة اللحظة في الصراعات الاقتصادية؛ بل هي حروب عصرية إعلامية اقتصادية من أجل المصالح، وكل واحد يستل سيفه في الميدان؛ بمعنى إذا كنتُ أملكُ علامة تجارية ما ولدي عدة منافسين، فمن الطبيعي التصدي لهم داخل الميدان حتى لو استخدمت وسائل غير أخلاقية للنيل من العلامات الأخرى؛ لضمان السيطرة على السوق؛ وذلك بفضل نشر الشائعات والأكاذيب المُزيفة بكافة السُبل المُتاحة في عصرنا اليوم.

هذا ما يحدث الآن بين عمالقة التجار المستفيدون من جهة، وبين الشركات المُنتجة للقاحات من جهة أخرى، لذلك يتصاعد توظيف الآلة الإعلامية؛ سواء الرسمية أو المشبوهة، لا سيما المُتعلقة بالمواقع الوهمية التي تدعي أنها منصات أبحاث علمية.

فقبل سنوات وفي إحدى المقابلات الصحفية حول مخاطر ثقافة الشبكة العنكبوتية، نوهت بأن الشبكة مليئة بالكم الهائل من المعارف، والمعلومات المُزيفة التي بدورها ساعدت في تجريف الواقع والأبحاث العلمية الأخلاقية. وعلى سبيل المثال الآن ما يحدث حول فيروس كورونا؛ حيث وظفها المتنفّذون في هذا الصراع الاقتصادي لمصالحة ممن لاقت سلعهم رواجًا كبيرًا حول العالم، وحققت عائدات كبيرة من هذا الوباء العالمي في بداية الأزمة؛ فهؤلاء شركاء في هذا الصراع من أجل أضعاف سوق اللقاحات. الحقيقة أنني لست خبيرًا أو متخصصًا في هذا المجال، لكنني أعلم تمامًا بحكم علاقاتي وإطلاعي أن مجال علم الأوبئة رغم ما يشوبه من الغموض على مدى سنوات طويلة، إلا أنه ما زال يتسم بأخلاقيات كُبرى فمن المستحيل تقريبًا أن يكون اللقاح مضرًا بالدرجة التي يصورها البعض، وهذا نابع من معادلة أن الناس ليس جميعهم سواسية، فإذا كان هناك رجال سياسة واقتصاد وعلماء فاسدون، فأيضًا هناك شخوص من السياسة والعلم ذوي قلوب وقيم إنسانية وأخلاقية، يتربعون على عرش هذه الجائحة. هذه حقيقة نستطيع استنباطها من مراكز الأبحاث والقراءات العالمية الغربية تحديدًا، حول ما يجري وما جرى منذ انتشار الجائحة، وحتى البدء في توزيع اللقاحات.

من خلال اطلاعي شخصيًا، أجدُ أن الشائعات التي تتداول يوميًا حول مأمونية اللقاح سوقها أكثر رواجًا لدينا في الشرق الأوسط، وهذا إن دل فهو يدل على واقع محزن في عالمنا الشرقي، يدل عن مدى الجهل المطبق في مجتمعاتنا، وأنا شخصيا أدركُ من ناحية سيكيولوجية في منطقتنا عن مدى غرامنا بنظريات "المؤامرة" بصورة مثالية تجعلنا نستسيغ الكلمة ونعيشها؛ بل نستمتع بها كثيرًا، وهذا ما شاهدناه في عدة قنوات إعلامية عربية مشبوهة، إضافة لدى بعض المشاهير على وسائل التواصل الاجتماعي. نحن الشرقيون نستمتع بالشائعات في كل زمان ومكان وظرف يطرأ علينا بإفراط حاد، يجعلنا لا نُدرك الحقيقة، فإذا كانت القوى العظمى تحيك المؤامرات لنا، وهذا بالطبع لا يمكن إنكاره، لكن على الأقل ليس مع هذه الجائحة التي تشملنا جميعا، والعارفون والقارئون للفكر الغربي يدركون هذا؛ لأن المركب واحد، والغريق واحد، وإغلاق العالم ليس في صالح أحد؛ سواء الغرب أو الشرق، نحن أمام جائحة حقيقية، حتى وإن كانت تخللتها حروب بيولوجية، يبقى الفيروس حقيقة ويبقى اللقاح حقيقة علمية، وما يحدث مجرد شائعات متداولة كحرب اقتصادية بديهية بين التجار المستفيدين من الجائحة وبين مصنعي اللقاحات.

ستبقى هذه الحرب قائمة حتى يبدأ الفيروس في التلاشي، حينها ستتوقف الشائعات، ويتلقى المشككون لقاحهم معنا. وأختم مقالي هذا بجملة "أنا أصدق العلم"، وبالعلم تتقدم الأمم وترتقي الحضارات والإنسان.

نسأل الله أن تزول هذه الجائحة ويشفي جميع المرضى لتعود الحياة ثانية ورحم الله أمواتنا جميعا.