الدّقُم صمام الأمان الاقتصادي للسلطنة

 

راشد بن سباع الغافري

 

لست بالمحلل الاقتصادي، ولا أملك الدّراية الكافية بعلوم الاقتصاد، إلا أنّ مُتابعتي المتواضعة لمنطقة الدقم والأعمال الإنشائية فيها وما يُؤمل منها وما يعوّلُ عليها، هو ما جعلني أختار هذا العنوان والكتابة في هذا الجانب، ولسوف اتجه بفقرات المقال نحو تطلّعاتي كمواطن تجاه هذه المنطقة.

منطقة الدقم التي كثُرَ الحديث عن محاولات إفشالها مع بداية ظهورها من قبل بعض المُتربصين باقتصاد السلطنة، باتت اليوم تضع أرجلها في المسار الصحيح نحو المكانة الاقتصادية العالمية، ووضعت بكل ثقة الكثير من أساسات منشآتها الحالية والمستقبلية لتحقيق ذلك الهدف، وهذا مما يُؤكد على صحة المسار ومصداقية التوجه.

وإن قلنا إنّ هذه المنطقة باتت بمثابة صمام الأمان الاقتصادي للسلطنة للمستقبل كما هو في العنوان، فليس في ذلك أيّة مبالغة، خصوصا وأنها تأتي في ظل تراجع مكانة النفط العالمية، والذي تم الاعتماد عليه طويلاً في رسم الخطط السابقة. فهذه المنطقة الاقتصادية يُتأمل منها أن تشتمل على تنوع كبير في الجوانب العلمية والتدريبية، والسياحية، والترفيهية، والخدمية، وفي جوانب الصيد ومتعلقاته البحرية، وفي استقطاب رؤوس الأموال المحلية والعالمية.

ولهذا وغيره ندعو أن يكون للتاجر والمستثمر العماني، وأصحاب رؤوس الأموال العمانية، وأصحاب المشاريع الصغيرة منها والكبيرة، أن يكون لهم موطأ قدم في هذه المنطقة الواعدة، وأن يُسهموا في دفع عجلة تطورها وتنميتها، بل وأن يكونوا منافسين في الإفادة والاستفادة من امتيازاتها وفرص العمل بها، وفي تبادل الخبرات مع المستثمرين فيها أفرادا كانوا أو مؤسسات، وأيضاً في التوظيف الأمثل لمقدراتها وإمكانياتها.

ومن المؤمل من هذه المنطقة أن تكون أحد عوامل الحلّ لأزمة الباحثين عن عمل من أبناء عمان مستقبلا، وهذا أمر نعوّل عليه كثيرا، ونرجوا أن تكون هناك قوانين وأنظمة تكفل تحقيق هذا الأمر، حيث الأولوية في التشغيل والتوظيف، والتدريب والتأهيل يجب أن يحظى بها المواطن، وأن لا يُترك الحبل على غاربه للشركات العالمية القادمة للاستفادة من هذه المنطقة في جلب عمالة لها من غير أبناء الوطن، وبوضوح تام إن لم تسهم هذه المنطقة في المساعدة على حل قضية الباحثين عن عمل فإن ذلك قد يتسبب في إحباطات كثيرة لدى أبنائنا التوّاقين لخدمة وطنهم، والراغبين في الارتقاء بقدراتهم ومؤهلاتهم.

فالمواطن ينظرُ إلى منطقة الدقم على أنها فرصة كبيرة لتحريك السوق المحلي، وزيادة الدخل، ورفع مستوى المعيشة، وتحقيق الإكتفاء الذاتي في كثير من المواد، وفي توفر السلع، والتنوع في الخدمات، وليس لهذه المنطقة إلا أن تكون كذلك فعلاً.

هذه المنطقة وبهذا الموقع الممتد لمئات الكيلومترات على سواحل السلطنة وبحر العرب يؤهلها لأن تكون من أكبر المناطق العالمية الرائدة في الاقتصاد والتبادل التجاري، وفي الاستيراد والتصدير، كما يؤهلها لتكون حلقة الوصل ونقطة الالتقاء مع موانئ ومناطق اقتصادية عربية وعالمية، ولهذا وغيره يجب أن لا تقل نظرتنا وتشريعاتنا وتتطلعاتنا عن ذلك المستوى الرائد، سواء كانت تلك النظرة من الجانب الحكومي الرّسمي، أو من جانب النظرة الشعبية المجتمعية.

ومن المهم هنا أن نذكّر أبناء الوطن بأهمية الاعتزاز والافتخار بهكذا مشاريع ومناطق اقتصادية، وبأهمية الثّقة في مؤسسات الوطن ورموزه وشخصياته الاقتصادية، باعتبار أنّ هذه الثقة وهذا الاعتزاز يُعدّ من دواعي النجاح لها بشكل خاص وللاقتصاد العماني بشكل عام. وعلى سبيل المثال فإنّ الإشادة بهذه المنطقة، والترويج لها، وتقديم المقترحات لتطويرها، والنقد الإيجابي لتحسين الأوضاع فيها، كل ذلك يأتي ضمن النظرة الصحيحة للارتقاء بهذه المنطقة الواعدة، من أجل تحقيق ما نصبوا إليه من مكانة راقية للسوق المحلي، والمواكبة الجادة للسوق العالمي.

إنّ الإحباطات التي قد يستشعرها البعض بسبب الفهم الخاطئ الناتج عن الدسائس والشائعات، التي تُحاك ضد الاقتصاد العماني من جهات ما عادت تخفى على أحد، وما ينتج عن هذه الشائعات من مخاوف وإحباطات، فإنه لابد لهؤلاء من السيطرة على مخاوفهم وإحباطاتهم من خلال تجاهل تلك الشائعات والأخبار الكاذبة، لأن كثرة المخاوف والتشكك قد يتحول إلى صدود وانزواء عن مواكبة التطور في الاقتصاد العالمي، ولمواكبة هذا التطور ولقطف ثماره اليانعة لابد أن نتمتع بروحٍ إيجابية وأن نعمل بكل ثقة، وأن نبذل الجهد، وأن نأخذ المعلومة الصحيحة من مصادرنا الاقتصادية والإعلامية ذات المصداقية الواضحة.

لقد رُوجُ كثيراً في أوساط المجتمع خلال الفترة الماضية لأنّ الاقتصاد العماني مرهونٌ باقتصاديات دول الجوار، وهو يخضع لها في أجزاء كثيرة كنوع من "التبعيّة السلبية"، وأنه لا يستطيع التّحرر من ذلك لسبب أو لآخر !!كما تم نشر الكثير من البيانات الكاذبة، والتحليلات المغلوطة، للتأثير على ثقة المواطن في الداخل وعلى قرار المستثمر في الخارج.

ولدرء مثل هذه الشائعات والتفاهات فإننا نأمل أن تكون منطقة الدّقم فاتحة خير لإثبات العكس من ذلك، فعُمان التي تأبى التبعيّة وترفض الانقياد للآخر، لا يُمكن بأيّ حالٍ من الأحوال أن تسلّم اقتصادها للتبعيات التي يُروِجُ لها كثيرٌ من الكارهين لرؤية منطقة الدقم وهي تتقدم وتتبوأ مكانتها العالمية.

إنّ الحراك الاقتصادي في منطقة الدقم بالتأكيد سيكون له أثره الإيجابي على حركة التنقل الداخلية والخارجية في المطارات والموانئ العمانية، وسيكون له أثره الإيجابي على الشحن والنقل البري، وعلى الانتعاش في حركة الأسواق المحلية بمختلف أنواعها، وهذا يُعد من التكامل البّناء بين منطقة الدقم وبين بقية المؤسسات الخاصة والعامة من موانئ ومطارات، ومن مؤسسات النفط والغاز، ومؤسسات المشاريع التي تُعنى بالأمن الغذائي في السلطنة، ومؤسسات التعليم والتدريب، وهذا التكامل بالتأكيد هو ما سينعش الحركة الاقتصادية الداخلية.

هذا التطور في الاقتصاد والذي نعوّل عليه كثيرًا لابُد أيضًا أن يتكامل مع جميع التكتلات الاقتصادية العالمية، وذلك وفق المصالح والرُّؤى والخطط المالية التي تضعها السلطنة، ولهذا نؤكد كمواطنين على أهمية التبادل الاقتصادي المُباشر مع دول العالم، ونُثني على هذا التوجه، دونما حاجة إلى وسيط قد يضر بمصالحنا الاقتصادية أكثر مما ينفعها.

ختامًا.. ستستمر منطقة الدقم بكل اقتدار لتتبوأ مكانتها الاقتصادية العالمية، ولن تلتفت لترهات أصحاب الشائعات المغرضة، لكن هذا الاستمرار يحتاج إلى وقفة مساندة من أبناء هذا المجتمع الأبيّ، فلنكن كذلك حتى نصل بها وتصل بنا إلى ما نصبوا إليه.

تعليق عبر الفيس بوك