علي بن سالم كفيتان
تراجع جميع الوسطاء وعادت سلطنة عُمان لاستلام دفة قيادة المُفاوضات حول حل الأزمة اليمنية فقد بيّنت المملكة العربية السعودية من خلال حديث صاحب السُّمو الأمير محمد بن سلمان ولي عهد المملكة مع محطة "إم بي سي" أنَّ المملكة ليس لها مصلحة في الصراع اليمني، ولا شك أنَّها تأثرت بما حدث من تقلبات سياسية في الشارع اليمني بتاريخ 21 سبتمبر 2014، ولجوء القيادة الشرعية اليمنية للمملكة عقب أحداث صنعاء، مما حتَّم عليها الوقوف إلى جانب تلك الشرعية المُعترف بها دولياً، وهو ذات الأمر الذي قامت به عندما اجتاح العراق الكويت في الثاني من أغسطس 1990، إلى جانب مُساهمتها المُقدرة في تهدئة نشاط الربيع العربي عام 2011 في دول الخليج العربي من خلال الدعم السياسي والاقتصادي ومنع نشوب الفوضى العارمة التي اجتاحت بعض الدول العربية وخلفت وراءها دولاً فاشلة وشعوباً مُمزقة.
وبهذا لا أحد يُنكر الدور المحوري والمهم للمملكة العربية السعودية في المنطقة، وقد برهنت المملكة أنَّها دولة جريئة وتمتلك القدرة على تصفير الخلافات، والمصالحة مع قطر كانت خير برهان على ذلك. واليوم تمنح قيادة المملكة كل الثقة للدبلوماسية العُمانية للقيام بدور محوري لإنهاء النِّزاع في اليمن؛ فالزيارات المكوكية المُتبادلة بين وزيري خارجية البلدين خلال الفترة الأخيرة وتواجد الوفد العُماني في صنعاء، بشارة بحل وشيك للأزمة إذا تولدت لدى اليمنيين الشجاعة والرغبة في لملمة جراح اليمن وشعبه المُنهك.
لقد احتفظت المملكة العربية السعودية بخط رجعة ولم تُغلق جميع الأبواب الخلفية مثلما فعل البعض للأسف، فلم تُطبِّع رسمياً مع الكيان الصهيوني رغم كل التكهنات التي وضعتها في الصف الأمامي للتطبيع، وظلت بيانات المملكة تُناصر الحل العادل للقضية الفلسطينية ولم تستمع كذلك لأصوات المُخربين التي تضع السلطنة في صف دون آخر في قضايا المنطقة، وخاصةً ما يتعلق منها بالجمهورية الإسلامية الإيرانية، فقد لا نتفق مع ما تقوم به إيران لكننا مجبرون على التعامل معها بعقلانية، ومثلما قال معالي السيد بدر بن حمد البوسعيدي في "مُنتدى المنامة" إنِّه يجب أن نستدعي إلى الطاولة من لا نتفق معهم، وليس بالضرورة أن نكون نحن فقط المتوافقون حولها، فهذا لن يحل النزاعات في المنطقة. ولا ينكر أحد ما قدمته الجمهورية الإسلامية الإيرانية من دعم فني ومالي للمُقاومة الفلسطينية في قطاع غزة، مما أعاد جرعة الثقة لشعوب المنطقة وهزَّ كيان إسرائيل وأعاد القضية الفلسطينية للواجهة، فاختلافنا مع إيران في ملف مُعين قد يتقاطع مع توافق في ملفات أخرى، ونعتقد أنَّ دعم سلطنة عُمان لاتفاق "5+ 1" مع إيران كفيل بوقف الطموح النووي الذي عبرت إيران في أكثر من مناسبة أنها لا تسعى إليه، لكنها ترغب في الاستفادة من الطاقة النووية لأهداف سلمية وتنموية. وفي ظل عدم وجود ضمانات أو رادع لدى دول المنطقة لوقف ذلك الطموح، فإنَّ إدخال الدول العظمى كضامن للاتفاق هو الحل الأمثل؛ حيث إن الجمهورية الإسلامية الإيرانية تستطيع الاستفادة من الطاقة النووية السلمية تحت رقابة دولية، وفي ذات الوقت تخرج إيران من رداء العقوبات ويتمتع شعبها كبقية شعوب المنطقة بالحياة المستقرة.
إنَّ حديث ولي العهد السعودي حول التحرر المذهبي بعث برسالة إيجابية لكل المُتوجسين من "مذهبة الدول"؛ أي جعلها تلبس رداء المذهبية الدينية وخوض حروب باردة تحت هذا الزعم في المنطقة، وربما على الجمهورية الإسلامية الإيرانية أن تُعبر بما فيه الكفاية وتطمئن جميع الأطراف أنها لا تخوض صراعاً مذهبياً في الشرق الأوسط، بحيث تستعيد الدول- التي تنشط فيها إيران- قرارها السيادي، وترسم خياراتها النابعة من قناعات شعوبها، وفي ذات الوقت تصب الجمهورية الإسلامية الإيرانية مواردها الهائلة للتنمية الداخلية، وتحسين المستوى المعيشي لشعبها، وتفسح المجال للحرية الدينية، وإقامة علاقة سياسية تقوم على الاحترام المتبادل مع كل جيرانها في المنطقة، فسعي إيران للطموح النووي والمد المذهبي كلف شعبها الكثير من المُعاناة، فقد خاضت حروباً، وخضعت لعقوبات مؤلمة، دفع بسببها الشعب الإيراني تكاليف باهظة خلال الأربعين سنة الماضية.
حسب تقديرنا الشخصي، نجحت القيادة السعودية في كسب رأي السلطنة ونظرتها السلمية للمنطقة واستطاعت طي الخلاف الخليجي مع قطر ولملمة الملفات الشائكة مع تركيا، ومن هنا بات على الأطراف اليمنية أن تعلم أنَّ السلطنة لا يمكنها القيام بدور الوسيط دون تحقيق النجاح المطلوب، وأن يغتنم الجميع الفرصة الأخيرة للسلام التي تقودها السلطنة- كما نرى- بدعم غير محدود من المملكة العربية السعودية الشقيقة وبمُباركة من جميع دول الخليج العربي والولايات المُتحدة الأمريكية والأمم المتحدة، ونتوقع من الجمهورية الإسلامية الإيرانية دوراً إيجابياً لما تربطنا بها من علاقات طيبة ومواقف سياسية مُتزنة، تجعلنا ننحاز لخير ومصلحة الشعب الإيراني الصديق.