بين أحمد سعيد ووائل الدحدوح!

خالد بن سعد الشنفري

 

نصف قرن من الزمن يفصلنا عن نكسة 1967 ونصر غزو 2021. في عام 1967 كان المذيع والإعلامي الشهير أحمد سعيد رئيس إذاعة صوت العرب أشهر إذاعة عربية حينها ومصدر الأخبار الوحيد للعرب من المحيط للخليج والفارس الإعلامي العربي الذي ناهض بنبرته العالية وإدارتة لصوت العرب الاستعمار الفرنسي في الجزائر والمغرب والاستعمار البريطاني في اليمن وساحل الجنوب العربي خلال الخمسينات والستينات.

في 2021 كان مراسل شبكة الجزيرة وائل الدحدوح في غزة ينقل إلى داخل كل بيت عربي حرب الـ11 يوماً من القصف، ساعة بساعة وعلى مدار أربع وعشرين ساعة. كان العرب في 67 يستيقظون كل صباح على تصريحات أحمد سعيد من راديو صوت العرب؛ قواتنا أسقطت كذا وكذا من طائرات العدو، أصبحنا على مشارف تل أبيب، أوشكنا أن نلقى إسرائيل في البحر!!

في 2021 سهر العرب مع وائل الدحدوح ينقل لهم بالصورة والصوت هذه المرة في بث حي مُباشر من على سطح برج الجلاء صواريخ المقاومة؛ وهي تقذف كرات لهيب الرعب لأول مرة على تل أبيب، وغزة الصمود تتلقى عن العرب جميعًا قذائف طائرات إسرائيل من أحدث ما أنتجته الترسانة الأمريكية يوازي عددها في بعض الطلعات ما استخدمته في "حرب 67" وبقوة تدميرية أضعاف ما كانت عليه، وغزة صائمة في رمضان وصامدة لوحدها، بعد أن فقدت الأمل في العرب، وتتلقى كل هذا الكم الهائل من القذائف على رقعة صغيرة من الأرض تقطنها أعلى كثافة سكانية في العالم.. بينما الدحدوح وكاميرات الجزيرة يشركوننا بهذا النقل المباشر، في كل رشقة وزخة صاروخية تُقذف إلى كل بقعة ورقعة في إسرائيل تطبيقاً لوعد محمد ضيف الذي صدق وعده "إن عدتم عدنا" إلى أن نقل الدحدوح لنا والعالم أجمع بالصورة الواضحة الجلية وبصوت حزين متهدج: سقط البرج.. سقط البرج.. سقط البرج!!

بعد 67، حمّلنا أحمد سعيد لوحده خزي البيانات الكاذبة التي أذاعها وأطلقنا عليه مذيع النكسة، رغم أنه لا شك تلقى تلك البيانات المضللة من القيادات العسكرية، فترك الرجل على أثرها صوت العرب وتوارى عن الأسماع.

فقد وائل الدحدوح برجه الذي سقط ونزل بكاميرات الجزيرة إلى الأرض؛ لينقل الحدث من فوقها ووسط وتحت أنقاضها وما زالوا مستمرين بعد وقف إطلاق النار لكي لاننساهم.

في 67، كان العرب جميعاً متحدين خلف القضية؛ قادة وشعوبًا، وبقضهم وقضيضهم، وما تيسر لكل منهم، لذا كان بعد نكسة 67 نصر أكتوبر 1973.

في 2021 كان العرب مشتتين بين مصلح لوقف الحرب ومتفرج عليها، وبين مبهور بصواريخ المقاومة التي أعادت له الأمل وحلم قديم، ومنهم من لا زال مُتشككًا في مذهب هذه الصواريخ، وهل ينصرها أم لا؟ والبقية بين منبطح ومطبع إلى النخاع.. مفارقات عربية عجيبة غريبة عشنا لنشهدها، ليتنا كنا قبلها نسياً منسياً!

الغريب أن الذي وحد العرب في 67 هي القضية الفلسطينية نفسها، وأن بدايات شتاتهم والانهيار والتشرذم كان بعد نشوة النصر المبتور في 1973.

هل نجد لعرب اليوم عذراً لهذا الهوان؛ سواء عذر أنهم مشغولون بصراعاتهم الداخلية داخل البلد الواحد؟ وبين اثنين أو أكثر بعد أن فرطوا في قضيتهم الأولى؛ أولى القبلتين؟ وتركوها تحت رحمة "أوسلو" وأخواتها.. بئس العذر- فعذرٌ أقبح من ذنب. ويخرج حتى عن إطار "التمس لأخيك سبعين عذرا" إذا صح للأسف الشديد.

لقد أصبح الواحد منِّا يشك فعلا أن ما نعتنا به الغرب زورا وبهتاناً بقصر الذاكرة صحيح، إلا إذا كنَّا نطبق مقولتنا الشهيرة "من شابه أباه فما ظلم"، ولأن صلاح الدين الأيوبي لم يسترجع فلسطين من الصليبين إلا بعد مضي قرن من الزمن، عليه لازلنا بحل من أمرنا في استعادتها من الصهاينة، فلا زالوا في ثلثي القرن من احتلالها ؟!

لك الله يا أرض الله المباركة وأولى القبلتين ومسرى رسول الله.

الأمل معقود على شبابنا العربي ألا يشبهونا وإلا ظلموا أنفسهم، فقد أظهر جيل الشباب المقدسي الذي أُطلق عليه افتراءً جيل "التك توك" أنهم قادرون على قهر عدوهم.. وأنتم يا شباب العرب من المحيط إلى الخليج أنتم أكناف بيت المقدس والأمل معقود عليكم.