سارة البريكية
عن ليلة الأحد اتحدَّث عن الألم الذي اعتراني وقتها.. كانت الساعة تشير إلى الخامسة مساء من يوم السبت، كنت بخير وبصحة جيدة نوعاً ما، إلى أن بدأ ذلك الألم الغريب يجتاحني ويتسلل إلى قلبي شيئاً فشيئًا، ألم لم أعهده من قبل ولم يكُن يشبه نوبات الأنيميا التي أتعرض لها بين الحين والآخر، لكنه توسد صدري من جهة اليسار، بدأ بشل حركتي ونشاطي، ألقاني أرضاً، حاصرني من كل اتجاه، مسكت بيدي على موضع الألم وعلمت أنَّ الموت قد حان!!
مضت ساعة.. ساعاتان، وأنا في مكاني، والألم في ازدياد عجيب متوغلاً إلى عقلي وقلبي وكل حواسي وكنت أتمتم: هل هي النهاية؟! هل ينتهي المشوار هنا؟! مضى الوقت بطيئاً جداً، ومضت الساعة تلو الأخرى، وأنا أشهد رحيلي المنتظر. مضى الليل وحلَّ الصباح المشؤوم، وأنا طريحة الفراش وأتلو على أهلي بعض وصاياي، فقد شعرت وقتها أنه بجانبي، وأنه لن يبرح حتى يخطف روحي ويُلقيني جسدا هالكا.. قرابة الظهيرة بدأ هذا الألم بالتلاشي شيئاً فشيئاً بعد صراع دام قرابة 16 ساعة، كنت بها في عالم آخر، كنت أقول: ماذا نحن نساوي؟ وما كل هذا الغرور الذي يحتوينا والكبرياء الذي يقتلنا؟ لماذا نبتعد عن موطن السعادة الحقيقي الذي يسكن دواخلنا ونعيش به؟ لماذا نرمي بمن يحبنا خارج نطاق كوننا ونقول له ابتعد؟! لماذا لا نتسامح مع أنفسنا ومع بعضنا البعض؟ لماذا نحرق ذكرياتنا الجميلة وشخوصنا الطيبين؟ لماذا نبحث عن الجديد دائماً الذي يملأنا بالأسى؟ لماذا أراك تمر كطيف عابر وتختفي وتعود تارة أخرى؟
حاولت أخذ المُسكنات بلا فائدة تذكر.. كانت أوقات عصيبة، موت على قيد الحياة، كما قلت سابقًا، لكنه تحول إلى موت حقيقي وموت لا مفر منه، وموت مفجع وسريع وغاضب، وأتساءل: يا الله ما الذي حدث؟ لم يكن هذه المرة الطريق المؤدي إلى الملاذ الأخير وعرًا؛ لا بل كان طريقا يسيرا، ولم تكن هناك سرعة طائشة، لكن شيئا ما حدث؛ صراخ وعويل يلوح في الأفق، بكاء ونواح على من رحل، تنتابني كلمات الحزن ولا أنطق بها، ينتابني الأسف ولا أتحدث به، ثمة شيء يُقيدني، وأنا مُمددة على السرير، أنظر إلى الموت القادم لا محالة يقترب. تدهورت الحالة أكثر وبدأ النزيف الداخلي، هنا أحسست أنني أفقد نفسي طلبت منهم الإسراع في إسعافي، ولكن لا مُجيب! انتظرت وتجمعوا حولي ولم أراك بينهم وعندما وصلت سيارة الإسعاف كان الوقت قد فات. ما زلت أتمتم ببعض الكلمات، ما زلت أتنفس، ولكن ها هو ينظر إليَّ، ها هو يقترب مني، ماذا عساني سأفعل؟ لا أملك إلا الانتظار، في الوقت والساعة والدقيقة، سيحدث ذلك الأمر الذي لا تريد أمي أن تراه ولا أختي أن تسمعه ولا أخي أن يحسه ولا حبيبتي أن تتلقاه.
صوت سيارة الإسعاف يضج في أذني، وجه حبيبتي أمامي، فقد قالت لي لن تذهب بعيداً عني ما حييت، لكنني اخترتُ أن أذهب بعيدا عنها، ها أنا أفارقها للأبد، ولن تراني مجدداً، فقد حكمت عليها بالعذاب الأبدي، أما عن أمي فلا أعلم إن كانت ستحتمل هذه الصدمة القوية، وأختي كررت عليَّ أن لا آتي، لكنني كنت مسرعاً، ولم أستمع لها وأحببت أن أتسابق مع الموت، لكنه سبقني قبل أن أصل… توت.. توت.. توقف النبض…. تذكرت إحدى المقولات: يجب ألا نبكي على أصدقائنا، إنها رحمة أن نفقدهم بالموت ولا نفقدهم وهم أحياء.